تعليق على دورية المجلس الأعلى للسلطة القضائية رقم 46/21 حول تطبيق المادة 18 من المرسوم التطبيقي رقم 2.08.378 والمادة 14 من القانون رقم 16.03

الأستاذ مصطفى امباركي[0]

صدر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتاريخ 20/09/2021 دورية تحت رقم 46/21 تناولت نقطتين قانونيتين ذات أهمية بالغة تتمثل الأولى في تفسير الفقرة الثانية من المادة 18 من المرسوم التطبيقي للقانوني رقم 1603والثانية تتعلق بالمادة 14 من القانون المذكور.

ونظرا لأهمية النقطة القانونية الأولى المثارة التي تناولتها الدورية فإننا اعتبرنا انه من الأهمية بمكان تحليلها والتعليق عليها وهو ما سنحاول بسطه في هذا المقال.

مضمون الدورية ومناقشته

المضمون:

في مطلع هذه الدورية يقول المجلس[1] المذكور انه توصل ببعض التقارير تفيد ان بعض القضاة المكلفين بالتوثيق يخاطبون[2] على الشهادات العدلية الواردة على العقارات غير المحفظة دون التأكد من توفر الشهادة الإدارية المنصوص عليها في المادة 18 السالفة الذكر ثم يتابع ويذكر كذلك مخالفة المقتضيات القانونية الواردة في المادة 14 من قانون خطة العدالة خاصة (الإشعار بالتوجه) وهكذا.

وبناء على هذا فإنه يتعين على القضاة المكلفين بالتوثيق مراعاة المادة 18 من خلال استلزام توفر الشهادة الإدارية في جميع الشهادات العدلية المتعلقة بالعقار غير المحفظ مع التقيد بتوفر طلب الإشعار بالتوجه عندما يكون التلقي خارج الدائرة الابتدائية المعين فيها العدلان.

المناقشة

لا يختلف اثنان في كون ان توثيق المعاملات و العقود والوقائع بين الناس يعتبر منبعا لإستقرارها وشعور المتعاملين في إطارها بالأمن و الاطمئنان و ضمان الحقوق، و بذلك فالتوثيق أصبح ركيزة أساسية لنماء الدول في كافة الحقول و الميادين.

كما ان مؤسسة التوثيق “العدلي” في المغرب لم تكن وليدة اليوم، بل لها جذور ممتدة العمق في التاريخ، تعود بوادرها إلى دخول الإسلام إلى المغرب، و منذ ذاك الحين، مر التوثيق بالمغرب بمجموعة من المحطات، كانت لكل محطة سمة أضفتها على هذه المؤسسة، سواء بتضييق الخناق أو بتوسيع دائرة التعامل.

وقد مرت مهنة خطة العدالة بمحطات قانونية تاريخية بدأت مع ظهير 1914 وانتهت بالقانون رقم 16.03[3] هذا الأخير صدر بشأنه مرسوم تطبيقي[4] والذي أورد فيه المشرع المادة 18 موضوع الدورية[5] (مع ان هذه المادة ليس لها طابع تنظيمي مهني محظ وإنما بها مقتضيات قانونية حمائية عقارية بالأساس كان على المشرع ان يضعها في قانون عقاري، خاصة مدونة الحقوق العينية مع العلم ان مشروع هذه الأخيرة قدم قبل صدور المرسوم المذكور)، والذي اعترت تنظيمها مجموعة من الثغرات مما أدى إلى بروز عدة إشكالات على المستوى العملي، لأن صياغتها طبعها الغموض والإبهام[6] وتسببت في ضياع مجموعة من الحقوق، والغريب انه لم تطرح مسألة ضرورة تعديلها أو دمجها في مدونة الحقوق العينية او حذفها سواء من قبل العدول او سلطة الوصاية.

ومن جهة أخرى وبالنظر الى اعتماد السادة العدول على هذه الشهادة الإدارية[7] الواردة في المادة 18 كسند قانوني في تأسيس رسوم الملكية(لفيف الملكية)[8] منذ عقود فقد أصبحت محل نقاش دائم ومستمر في الزمان والمكان حول ما خلفته وما تزال من إشكالات عملية وقانونية، وما يترتب عن ذلك من أضرار مادية ومعنوية للعدل والمواطن والدولة على حد سواء.

وهذا نص المادة جاء فيه انه:”يتعين على العدل عند تلقي الشهادات مراعاة الشروط المقررة وكذا استحضار المستندات اللازمة.

اذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ وجب على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه ليس ملكا جماعيا او حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها“.

وباستقراء هذه المادة يلاحظ أنها تضمنت مصطلح “العقار غير المحفظ” بشكل عام دون تحديد المقصود بذلك، لكن بالعودة الى تعريف العقار غير المحفظ فأنه يمكن تعريفه بانه: العقار الذي لم يسبق له أن خضع لنظام التحفيظ العقاري او ما يسمى بالعقار العادي، بالتالي فهو يخضع لنظام قانوني خاص به و هو مدونة الحقوق العينية[9].

أما مفهوم العقار فيجب أولا ان نذكر بان العقار ينقسم الى قسمين عقار بالطبيعة وعقار بالتخصيص فأما الأول فهو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف او تغيير في هيئته، وأما الثاني فهو المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله او يلحقه به بصفة دائمة[10]، ومن خلال هذا التعريف يتضح بأن مفهوم العقار الوارد في المادة 18 اصبح متجاوزا مادام ان المشرع قد عرف العقار وبينه مما اصبح معه تفسير الدورية متجاوز كذلك لآنه تفسير بني على نص عدلت مصطلحاته ضمنيا بنصوص مدونة الحقوق العينية.

وبهذا الإبهام في مفهوم العقار غير المحفظ من حيث العقود[11] والشهادات الواردة عليه طرح تطبيق هذه المادة على المستوى العملي إشكالات عديدة سواء على مستوى القضاء[12] او الإدارة  مما استدعى إصدار وزارة العدل كجهاز وصي على مهنة خطة العدالة عدة دوريات ومناشير لتبيان المفهوم والمقصد من المادة وكيفية تنزيلها على ارض الواقع، وقد بينت حتى مدلول عبارة “العقار غير المحفظ”، هل هو العقار الذي له أصول التملك او الذي لا يتوفر عليها[13].

كما ان آخر نص تنظيمي صدر بشأن تنظيم الشهادة الإدارية كان مذكرة تكميلية لوزير الداخلية عدد 112 بتاريخ 05/01/2017 والتي أكدت بأن الشهادة الإدارية خاصة بتأسيس رسوم الملكية.

وفي ظل هذا الغموض التشريعي الذي رافق هذه المادة (المشؤومة) جاءت دورية المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشعار “التفسير الجديد” الذي يطرح سؤال الضمانات بإعتبار القضاء بصفة عامة جهاز وجد لحماية الحقوق.

وعلى الرغم من ان الصالح العام يظل مبدئيا هو أساس صدور هذه الدورية إلا ان ذلك لا يمكن ان يعفيها من النقد والرقابة والإلغاء خصوصا عندما تمس بالحقوق المكتسبة للأفراد والجماعات.

خاصة أنها لم تكتفي بتفسير المقصود من عبارة “العقار غير المحفظ” بل أنها أضافت تفسيرات قانونية بمثابة قواعد جديدة غير تلك التي وردت في النص الأصلي للمادة 18 وهنا تجاوزت الدورية الاختصاص التنظيمي الى الاختصاص التشريعي مما يعرضها للطعن بالإلغاء لمساسها بالحقوق والمراكز القانونية للافراد.

كما أنها خاطبت العدول ضمنيا[14] عبر (القاضي المكلف بالتوثيق) دون غيرهم مع ان التوثيق يشترك فيه متدخلين أخرين، فلماذا مثلا تغاضا المجلس عن تذكير القضاة المكلفين بالتوثيق بعدم الخطاب على نسخة الرسوم المستخرجة من سجلات التضمين بالمحاكم الابتدائية[15] إلا بعد إحضار طالب النسخة الشهادة الإدارية، واذا كانت هواجس المجلس هي حماية الملكية العقارية بصفة عامة فان الأمر لا يتعلق بالعدول لوحدهم فهناك مثلا السادة المحامون المقبولون لدى محكمة النقض.[16]

فإذا كان استلزام توفر الشهادة الإدارية في جميع الشهادات العدلية الواردة على العقار غير المحفظ كما يرى المجلس، يقتضيه حماية الأملاك التابعة للدولة، فان هذه الشهادة  يجب أن تكون متوافقة مع جميع جوانب المشروعية من حيث التنظيم حتى لا تساهم في خلق وضعيات لا تستسيغها باقي القوانين[17] وما دام أن مبدأ المشروعية هو من النظام العام فإنه عند التعارض بين المصالح الخاصة والعامة، ترجح المصلحة العامة إذا تعذر التوفيق بين المصلحتين، وذلك لإعتبارات مستمدة من ضرورة حماية النظام العام وتحقيق الأمن القانوني[18] الذي  يعتبر مبدأ من مبادئ القانون يتوخى منه أن يسود ويستغرق التشريع، سواء كان تشريعا أساسيا، أو عاديا، أو فرعيا، لكونه عنصرا من عناصر شيوع الثقة في المجتمع.

فلا يعقل ان شخصا يريد مثلا إبرام عقد وكالة متعلقة بعقار غير محفظ سيطالب بشهادة إدارية.

ولكن حتى لا نحمل الدورية اكثر مما تتحمل فانه في اعتقادي المتواضع  ان إرادة المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتجهت الى الشهادات اللفيفية (لفيف الملكية؛ لفيف الاستمرار؛ لفيف التصرف؛) أي تأسيسها أما باقي الشهادات فإنها معفية من الشهادة الإدارية.

وحتى وان افترضنا تطبيقها من قبل القضاة المكلفين بالتوثيق فإنها ستطرح إشكال السلطة التقديرية لهم في تأويل هذه الدورية هي بدورها كذلك، خاصة ان امتناعهم عن الخطاب على الرسوم العدلية التي لا تتوفر على الشهادة الإدارية سيعرضهم الى طعون قضائية[19] وهي دوامة لن تنتهي إلا بالعدول عنها او تعديلها.

إن نية المشرع من وراء سن المادة 18 السالفة هي حماية أملاك الدولة بصفة عامة[20]، وهو ما أكدته المناشير والدوريات الصادرة بعده تبين كيفية تطبيق هذه المادة ثم تفسر المقصود منها كما اسلفنا الذكر، وبالعودة إلى هذه المادة فإنها أوجبت على العدل التأكد من وجود الشهادة الإدارية عند تلقيه الشهادة، والمفارقة أن المادة لم تذكر القاضي المكلف بالتوثيق في هذه الحالة مع العلم ان المرسوم التطبيقي صدر بعد صدور القانون بسنتين والذي حدد اختصاص القاضي في المادة 35 منه، مما يمكن القول معه ان المشرع حمل العدل المسؤولية عندما خاطبه مباشرة وفي هذا دلالة لغوية بالغة الأهمية، وبناء عليه فان المجلس الأعلى للسلطة القضائية كان عليه ان يخاطب العدول مباشرة بالأولى إما من خلال الوزارة الوصية او الهيئة الوطنية للعدول اذا اقتضاه الحال.

و إنه من المعلوم أن الغاية من التشريع، هو تحقيق التوازن على المستوى السياسي والاقتصادي و الاجتماعي من خلال إصدار تشريعات توقعية ومعيارية، مطابقة للواقع.

وحيث ان استجلاء جوانب المصلحة العامة يعود للسلطة التشريعية المختصة باعتبارها سلطة مرتبطة بالإرادة العامة وخضوعها لرقابة الراي العام، وباعتبار كذلك ان القاعدة القانونية تستمد قوتها من السلطة التشريعية (البرلمان) بحيث لا يمكن ان تعدل او تلغى إلا بموجب نص تشريعي جديد.

ويقابل هذا التفوق في القاعدة التشريعية تبعية النظام القانوني فالقاعدة القانونية لا يمكن ان تتحرك إلا ضمن الحدود التي رسمها الدستور كما ان القانون التشريعي يسيطر على مختلف القوانين الصادرة عن الهيئات الأخرى نظرا لكون البرلمان يسيطر على سلسلة السلطات العامة لذلك اسند له المشرع الدستوري حماية الحقوق.[21]

وحيث ان الأمانة العامة للحكومة[22] (والتي تعتبر بمثابة المستشار القانوني للحكومة) تختص في إبداء الراي بخصوص القضايا ذات الطباع القانوني المعروضة عليها من قبل الإدارات والمؤسسات العمومية (وهنا فالمجلس او الهيئة الوطنية للعدول يمكن لهما مراسلة الأمانة العامة للحكومة بهذا الشأن للخروج بقواعد موحدة) بحيث تقدم الاستشارات المتعلقة بتأويل مقتضيات نص قانوني معين في اطار سياقه العام سواء على المستوى التشريعي او التنظيمي هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فان هذه الدورية ليست ولا يجب ان تكون ذريعة للدوس على المكتسبات والعودة الى ما قبل صدور المادة 18 السالفة الذكر، وما دام ان المتدخلين في تطبيقها كثر (وزارة العدل؛ المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ وزارة الداخلية؛ الإدارات العمومية؛ العدول) يفرض توحيد مصدر القرار[23]، مع استحضار ما جاء به القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية من مستجدات مهمة[24] وكذا القانون 03.01 بشان إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية[25].

وان استمرار الخدمات العمومية يقتضي الوضوح والشفافية والمصداقية والتشاركية في اتخاذ القرارات، لكن وبالنظر الى ما سينتج عن هذه الدورية وما سيترتب عن ذلك من ضياح الحقوق وتأزيم مرفق التوثيق العدلي الذي يعرف أزمات متعددة، فانه في المقابل تمثل فرصة للتذكير والتراجع عن هذه الدورية والتعجيل بتعديل المادة 18 لحماية الأمن العقاري والتوثيقي.

أما بخصوص حجية هذه الدورية او (المناشير والدوريات والمذكرات بصفة عامة) من الناحية القانونية فقد اختلف الفقه القانوني بشأنها فمنه من يرى ان المنشور او الدورية مجرد عمل إداري داخلي  يتعلق إما بتفسير او تطبيق القاعدة القانونية او التنظيمية أي انه ذو طبيعة قانونية غير ملزمة[26]، وهنالك من يرى ان الدورية او المنشور قرار إداري يرتب آثاره تجاه المخاطبين به (قضاة التوثيق في موضوع الدراسة)، وهنالك من يرى ان الدورية او المنشور لا هو بعمل قانوني او قرار إداري وليس له اي طبيعة قانونية لأنه لا ينشئ وضعا قانونيا جديدا.

ونظرا لعدم تمتع المجلس الأعلى بالسلطة التقديرية بخصوص تفسير النصوص التشريعية او التنظيمية فان هذه الدورية لا تحدث أي أثار قانونية جديدة بخصوص المراكز القانونية للأفراد.

وحتى وان كان التفسير آلية لضبط النسق الإداري فانه لا ينبغي ان يكون مجاله يتجاوز تفسير المشرع او يتناقض او يتعارض معه، وباعتبار المجلس الأعلى للسطلة القضائية مؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة[27]، وحيث توجد السلطة توجد المسؤولية وانطلاقا من هذه الفكرة فالمجلس يتحمل المسؤولية عن الأعمال المتخذة والصادرة من قبله.

الخلاصة

بناء على ما ذكر أعلاه

وبناء على الفصل107من الدستور الذي نص على فصل السلط واستقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية والتنفيذية

وبناء على المرسوم رقم 2.201.00 الصادر بتاريخ 11 أبريل 2011 بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة العدل[28] الذي نص في المادة الأولى منه على انه “تناط بوزارة العدل مهام إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة في ميدان العدالة؛

تمارس وزارة العدل الصلاحيات المخولة لها وفقا لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، لا سيما ما يتعلق بالمجالات التالية: السهر على تنفيذ الاختصاصات المخولة للوزارة بمقتضى قوانين المسطرة المدنية، والمسطرة الجنائية، ومدونة الأسرة، والقوانين المتعلقة بمساعدي القضاء، وغيرها من القوانين”.

كما تنص المادة 6 منه على انه:” تناط بمديرية الشؤون المدنية المهام التالية. :.. السهر على حسن سير ممارسة المهن القانونية والقضائية ومراقبتها وفقا للصلاحيات القانونية المخولة لوزارة العدل…”.

وتنص المادة 9 منه على انه:” تناط بمديرية التشريع المهام التالية:…تحيين النصوص القانونية ذات الصلة بمجالات اختصاص وزارة العدل وإعدادها للنشر”؛

وبناء على المادة 1 من قانون خطة العدالة التي تعتبر العدول من مساعدي القضاء

وبناء على المادة 45 من المرسوم التطبيقي للقانون رقم 16.03 التي أسندت الى وزير العدل ووزير الاقتصاد والمالية كل يخص في تنفيذ هذا المرسوم؛

وبناء على المادة 65 المحدد لاختصاصات المجلس القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمواد 54 و112 منه؛

وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

وبناء على القرار المشترك للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزير العدل المحدث الهيئة المشتركة بين المجلس ووزارة العدل بخصوص التنسيق في مجال الإدارة القضائية لاسيما المادة 3 منه؛

وبناء على النظام الأساسي للقضاة؛

وبناء على المرسوم رقم 2.09.677 المنظم للأمانة العامة للحكومة؛

وحيث ان الأمن القانوني يقتضي توفير حالة من الاستقرار في العلاقات والمراكز القانونية، وذلك من خلال إصدار تشريعات وقرارات متطابقة ومتوافقة غايتها إشاعة الثقة والطمأنينة بين اطراف العلاقات القانونية، بحيث ينبغي ان لا يتسم التشريع او التنظيم بالاضطراب، الأمر الذي قد يزعزع الثقة في المؤسسات و القانون.

فانه يتعين تعديل هذه الدورية او العدول عنها او الطعن فيها بالإلغاء أمام القضاء الإداري ممن له الصفة

[0]عدل بدائرة محكمة الإستئناف بفاس (ابتدائية صفرو) وباحث في مجال التوثيق والعقار

[1] المجلس الأعلى للسلطة القضائية مؤسسة دستورية منظمة بموجب القانون رقم 100.13 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6456 في 14 أبريل 2016 ص3143.

[2] الخطاب هو تعبير على أن العدلين أديا عند القاضي المكلف بالتوثيق شهادتهما، ويخبر القاضي غيره بثبوت صحة الرسم الشكلية والتوثيقية، ويعتبر الخطاب من البيانات الأساسية والجوهرية وفقا للمادة 35 من قانون خطة العادلة، حيث ربط المشرع بين الخطاب ورسمية الوثيقة العدلية.

[3] ظهير شريف رقم 1.06.56 صادر في 15 من محرم 1427(14 فبراير 2006) بتنفيذ القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، الجريدة الرسمية عدد 5400 فاتح صفر 1427 (2 مارس 2006) ص556

[4] مرسوم رقم 2.08.378 صادر في 28 من شوال 1429 -28 أكتوبر 2008- بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، الجريدة الرسمية عدد 5687 صادرة بتاريخ 2 ذي الحجة 1429-1ديسمبر 2008.

[5] فيما سبق كان الفصل 18 من المرسوم رقم 2.82.415 الصادر في 4 رجب 1403هـ الموافق ل18 أبريل 1983 بشأن تعيين العدول ومراقبة خطة العدالة وحفظ الشهادات وتحريرها وتحديد الأجور المتعلق بالقانون رقم 11.81 المنظم لخطة عدالة الصادر في 06 مايو 1982 ينص على أنه” يتعين على العدل عند تلقي الشهادات مراعاة الشروط المقررة، وكذا استحضار المستندات اللازمة إلا في حالة الظرف القاهر التي يشار إليها في الوثيقة؛ يتعين على العدل إذا تعلق الأمر بعقار، التأكد قبل تلقيه الشهادة من وضعيته بالنسبة للتحفيظ أو عدمه، وبالنسبة لكونه ملكا جماعيا أو حبسيا أو غير ذلك“، هذا الفصل لم يكن واضحا بقدر وضوح (الفصل الجديد نسبيا) وذلك لتبنيه مصطلحات غير واضحة مثل” الظرف القاهر”، كما أنه لم ينظم الوسيلة التي بمقتضاها يتأكد العدل من وضعية العقار موضوع الشهادة وهو نفس الأمر الذي تكرر بخصوص الفصل الجديد فيما يتعلق بمصطلح العقار غير المحفظ.

[6]  وفي هذا الصدد يتعين على البرلمان وهو يضع القوانين ان يزيل الغموض الذي قد يكتنفها وان لا تكون فضفاضة تحمل تأويلات عدة تكون ذريعة للسلطات وأجهزة أخرى وتفسرها على هواها ووفق مصالحها ورغبات القائمين على أعمالها، فعدم تدقيق المشرع في المصطلحات يعطي مجالا واسعا للتفسير والتأويل.

[7] تجدر الإشارة الى انه بدأ فرض العمل بالشهادة الإدارية الخاصة بالعقار غير المحفظ منذ سنة1912 من خلال “ضابط بيع الأملاك” هذا الضابط عبارة عن دورية موجهة من الصدر الأعظم إلى العمال والقواد والقضاة صدرت بداية في العدد الأول من الجريدة الرسمية المكتوبة باللغة الفرنسية المنشورة بتاريخ 01 نونبر 1912.كما نص عليها كذلك ظهير 07 يوليوز 1914 المتعلق بتنظيم العدلية الأهلية وتفويت الملكية العقارية في بابه الثاني.

[8] اللفيف هو جماعة من الشهود بلغ عددهم إثني عشر رجلا وكانوا غير منتصبين لخطة العدالة، سواء كانوا عدولا شرعيين أي متصفين بالمروءة ومجتنبين للمعاصي أو مجرد مستوري الحال. وتسمى شهادة اللفيف شهادة الكافة والعامة لكونها من عامة الناس. وتسمى أيضا بالشهادة العرفية لإعتمادها على العرف القضائي في العمل بها، إذ لا مستند لها في الكتاب والسنة، وإنما جرى العمل بها للضرورة.

وقد إختلفت آراء الفقهاء والباحثين حول البلد والتاريخ اللذين ظهرت ونمت شهادة اللفيف في ظلهما، فمن قائل بأنها كانت بالأندلس ثم إنتقلت منه إلى المغرب، ومنهم من يشير إلى أنها نشأت بالمغرب ثم إنتقلت إلى الأندلس، ولكن جرى العمل به منذ القرن (10هـ).

[9]  ظهير شريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432هـ (22 نوفمبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية منشور في ج.ر عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432هـ ( 24 نوفمبر 2011) ،ص5587.

[10]  انظر المادة 6 و7 من مدونة الحقوق العينية.

[11]  نشير في هذا الصدد ان القانون رقم 16.03 يتحدث عن مصطلح الشهادة بدل العقد والمتتبع لجميع مواده لن يجد مصطلح العقد مع ان مفهوم الشهادة شيء لأنه مفهوم ذو حمولة فقهية يحمل ويحتمل عكس مفهوم العقد في القانون.

[12]  انظر الأحكام والقرارات التالية :

  • قرار محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط عدد 982 صادر بتاريخ 23\07\2008 في الملف عدد 186\07\5 ،قرار منشور في موقع adala.justice.gov.ma.
  • حكم صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 26\01\2010 في الملف عدد 2009\89غ أورده نور الدين الصبار” منح شهادة عدم الصبغة الجماعية ذات الصلة بأراضي الجموع: دراسة لطبيعة القرار الإداري وحدود سلطات قاضي الإلغاء في ضوء حكم للمحكم الإدارية“، سلسلة أملاك الدولة العدد2،منشورات مجلة الحقوق، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، السنة 2013،ص63.
  • حكم المحكمة الإدارية بوجدة رقم 1050 بتاريخ 09\12\2014 في الملف رقم 100\7110\2014 أورده عبد الحكيم زروق “منازعات الشهادة الإدارية الخاصة بالعقار غير المحفظ“،سلسلة الشؤون القانونية والمنازعات، مطبعة والوراقة الوطنية ، الطبعة الثانية 2019،نشر دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع الدار البيضاءص199.
  • حكم المحكمة الإدارية بوجدة رقم 448 ملف رقم 143\13\5 بتاريخ 17\06\2014 أورده عبد الحكيم زروق م س ص202.
  • حكم صادر عن المحكمة الإدارية بفاس رقم 1\2009 بتاريخ 7\01\2009،ملف إداري عدد 42\05\2008 أورده زكرياء العماري “المنازعات الوقفية من خلال اجتهادات محكمة النقض ومحاكم الإستئناف والمحاكم الإبتدائية“،ج1،سلسلة دليل العمل القضائي، منشورات مجلة القضاء المدني،ص252 وما بعدها
  • حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط رقم 124 بتاريخ 17\01\2013 في الملف رقم 485\5\2012، أورده محمد الهيني “المرتكزات الدستورية الناظمة للعمل القضائي للمحكمة الإدارية بالرباط وفقا لإجتهادات محكمة النقض-قضاء الإلغاء“، توزيع مكتبة الرشاد، سطات، طبعة 2014،ص204.

[13]  كان آخر منشور لوزير العدل تحت عدد40س صادر بتاريخ13 يوليوز 2009 الموجه إلى القضاة المكلفين بالتوثيق، حول تطبيق مقتضيات المادة 18 المذكورة، اكد على “..المطالبة بالشهادة الإدارية إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ لا يتوفر المعني بالأمر على ما يفيد تملكه له…”.

[14]  يطرح إشكال آخر متعلق بتبليغ مثل هذه المنشورات والمذكرات للعدول (لاتخاذ المتعين بشأنها كالطعن فيها مثلا) بحيث غالبا ما تبقى حبيسة الرفوف لدى القاضي المكلف بالتوثيق دون علم السادة العدول بها وهذا فيه مخالفة لمجموعة من المقتضيات القانونية كقانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة الصادر بتاريخ 12 مارس 2018 بالجريدة الرسمية عدد 6655ص 1438.

[15]  تضمين الشهادة هو نسخها طبق أصل المحرر إلى سجل التضمين من قبل الناسخ، ويتم بعد إطلاع قاضي التوثيق عليها ليتأكد من كونها لا تخالف مقتضيات المادة 35 من ق.خ.ع، ومعلوم أن التضمين يتم طبقا للمقتضيات الوردة في قانون النساخة رقم 49.00 وخاصة المادة 11 منه والمرسوم التطبيقي له المادة 32.

[16]  نشير في هذا الصدد الى كتاب وزير العدل موجه الى السيد نقيب المحامين بالدار البيضاء بتاريخ 04 يونيو 2021 حول توثيق المحامين عقود التفويت والتنازل عن عقارات مملوكة للجماعات السلالية بكيفية غير قانونية.

[17] نشير في هذا الصدد ان العقارات غير المحفظة أصبحت منظمة بموجب مدونة الحقوق العينية التي حددت نطاق التطبيق من خلال المادة 1 منها والتي نصت على انه: “تطبق مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.

تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في9 رمضان1331(12أغسطس1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون، فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي”.

واعتقد ان المادة 18 أصبحت تتعارض مع هذه المادة من حيث المضمون والشكل خاصة ان المدونة المذكورة نظمت حق الملكية من حيث الشروط والعناصر والإثبات…وتاريخ صدورها كان بعد سن المادة 18 المذكورة، بحيث بموازنة المدونة والمرسوم فإنه ثمة جوانب متعارضة بينهما فاذا كانت المادة 18 قد تحدثت على العقار غير المحفظ بلفظ العموم فان الأمر ليس كذلك بالنسبة للمدونة التي دققت الكثير من المفاهيم فمثلا الاستغلال لا يعتبر حقا عينا كالتصرف والاستعمال…وإنما اعتبرته المدونة عنصر من عناصر الملكية الى جانب عنصر التصرف والاستعمال – لماذا هذا التوضيح؟

لان بعض اللفيفيات التي ينجزها السادة العدول تتعلق بالاستغلال ونحن نعلم ان الاستغلال لوحده لا ينتج عنه أثار الحق العيني خاصة استحقاق الرقبة، وبهذا فان لفيف الاستغلال في نظرنا لا يستوجب الشهادة الإدارية على خلال لفيف التصرف لاختلاف الآثار القانونية بينهما هذا على سبيل المثال.

وحيث ان الدورية لم تراعي هذه المستجدات التشريعية المهمة التي نظمت العقار غير المحفظ فإنها تكون قد جانبت الصواب عندما اعتبرت ان جميع الشهادات العدلية الواردة على العقار غير المحفظ تستلزم توفر الشهادة الإدارية، هذه الأخيرة الحصول عليها يتطلب جهدا كبيرا ومدة زمنية طويلة تصل أحيانا الى سنوات وإمكانيات مادية وهو أغفله المجلس.

[18] واعتبارا لكون الأمن القانوني قد أصبح مبدأ من مبادئ دولة القانون فانه على سلطات الدولة توفير شروطه و التي تمثلها العناصر التي يجب أن تسود سائر التشريعات وهي: مبدأ المساواة؛ مبدأ عدم رجعية القوانين؛ وضوح القواعد القانونية وعدم تناقضها؛ سهولة فهم و استيعاب القواعد القانونية من قبل المخاطبين بها؛ أن تكون القواعد معيارية؛ قابلية القانون للتوقع؛ الشفافية…الخ

و هو ما يتعبن معه أن لا تتسم الأنظمة القانونية بالتضخم في النصوص القانونية والتعديلات المتكررة، تفاديا لخلق حالة من عدم الاستقرار القانوني مما قد يترتب عنها فقدان الثقة المشروعة في القوانين وشيوع عدم استقرار المعاملات.

هذه الأوضاع قد تشكل مصدر تهديد حقيقي للأمن القانوني هو ما يستدعي سن تشريعات معقلنة تبعث على الاطمئنان بما يضمن تطبيقا سلسا لها من طرف القضاء، كمدخل أساسي لتحقيق الأمن القضائي.

[19]  فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس: “أن إمتناع قاضي التوثيق من الخطاب على الرسوم يعتبر قرارا إداريا قابلا للطعن بالإلغاء.. “قرار أورده مجموعة من المؤلفين “توثيق التصرفات العقارية“، أشغال الندوة العلمية الوطنية التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش يومي 11و12 فبراير 2005- تنسيق محمد بونبات والدكتور محمد مومن، نشر كلية الحقوق مراكش مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية، طبع المطبعة والوراقة الوطنية الحي المحمدي الدويرات مراكش، ص 241.

[20]  نشير هنا الى ان هذا التوجه كرسه المشرع بموجب المادة261 من مدونة الحقوق العينية  والتي جاء فيها بأنه:” على أنه: “لا تكتسب بالحيازة: أملاك الدولة العامة والخاصة؛ الأملاك المحبسة؛ أملاك الجماعات السلالية؛ أملاك الجماعات المحلية؛ العقارات المحفظة؛ الأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون“.

[21] Cyril Brami

[22]  نظمها المرسوم رقم 2.09.677 صادر بتاريخ 19 مارس 2010 منشور بالجريدة الرسمية عدد 5869 بتاريخ 30/08/2010 ص4150

[23] نشير في هذا الصدد الى القرار المشترك للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزير العدل المحدث الهيئة المشتركة بين المجلس ووزارة العدل بخصوص التنسيق في مجال الإدارة القضائية لاسيما المادة 3 منه التي نصت على :”ضمان حسن سير المهن القانونية والقضائية” قرار رقم 1164.21 صادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 20 ماي 2021 ص3431.

[24] ظهير شريف رقم1.20.06 صادر في 6 مارس 2020 بتنفيذ القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية منشور بالجريدة الرسمية عدد 6866 بتاريخ 19 مارس 2020 ص1626.

[25] منشور بالجريدة الرسمية عدد 5029 بتاريخ 12 أغسطس 2002 ص 2282.

[26] قرار المجلس الأعلى عدد 233 صادر بتاريخ 18/02/1963،” اعتبر فيه المجلس ان المنشور الوزاري بدون قوة قانونية” قرار أورده الطيب بن لمقدم في مقال له تحت عنوان” مدى التزام العدول بمناشير وزارة العدل في اطار خطة العدالة” منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 26 لسنة 1999 ص 147 وما بعدها.

[27] انظر المادة 5 من القانون رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية

[28] الجريدة الرسمية عدد 5940 بتاريخ 5 ماي 2011 ص2474