بمناسبة اللقاء العلمي المنظم من طرف المؤسسة حول موضوع: “تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام: الصعوبات والرهانات”، بمعهد التدريب الجمركي ببنسليمان يومي 26 و27 ماي 2021.
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد وزير العدل
السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للسلطة القضائية
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة
السيد المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة
الحضور الكريم
إنه لمن دواعي سروري أن أرحب بكم جميعا في هذا اللقاء العلمي الذي يلتئم اليوم في هذا الفضاء البديع، لقاء ارتضيناه مجالا للحوار الرصين، والنقاش العميق، والتعبير عن الإرادة الصادقة في أن نجعل من تنوع خلفياتنا مرتكزا لذكائنا الجماعي، في بلورة تصورات مشتركة لحلول توافقية في موضوع “تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام، وما تطرحه من صعوبات ورهانات، وتسليط الضوء على بعض الإكراهات ومواقع الظل في إعمال بعض المقتضيات القانونية وتطبيق مبانيها، وأن نجعل من إبداعنا الخلاق سبيلا للاهتداء إلى أفضل السبل في تنفيذها.
إن تنوع مشاربكم السادة الحضور وتعدد انتماءاتكم المهنية والوظيفية يجعل من هذا اللقاء فرصة سانحة لضمان الالتقائية المنشودة في بسط الرأي والرأي الآخر لفهم ما تم إصداره من أحكام وما تم اتخاذه من مقررات، في ما تم استشكاله من إجراءات وما تم خطه من ممارسات وما تم استشرافه من حلول.
فالشكر موصول إليكم جميعا حضرات السيدات والسادة، على ما تكبدتموه من مشاق الحضور في هذه الظروف العصيبة، وعلى ما وجدته فيكم من استعداد وقبول للانضمام إلى هذه التظاهرة، كشركاء أساسيين، حاملين لانشغالات الارتقاء ليس فقط بالأداء القضائي في الموضوع، ولكن أيضا بالانشغالات الإدارية والحقوقية المتعلقة به، ليس فقط كمنظرين ومتكلمين في موضوع سمته الدقة والتشعب، بل كفاعلين تحدوهم الرغبة الأكيدة في التوفيق بين الحق والواجب، الرغبة الأكيدة في الموازنة بين خصوصية العمل القضائي وضوابط حماية المال العام وشرعية صون الحقوق الفردية والجماعية، الرغبة في المساواة بين أشخاص القانون الخاص والإدارة في مجال على درجة كبيرة من الأهمية.
حضرات السيدات والسادة،
كثيرا ما ننجر، ونحن نلامس موضوع التنفيذ إلى الحديث عليه من زاوية “التنفيذ على الإدارة وأشخاص القانون العام”، وغالبا ما يطفو على السطح النقاش الدائر حول امتناع الإدارة عن التنفيذ، وهو أمر مهم وله مبرراته القوية، لعلاقته بافتراض ملاءة ذمة الإدارية، ومدى انصياعها للقوة التنفيذية للأحكام، وارتباط كل ذلك بمبدأ المساواة المنصوص عليه في الفصل 126 من الدستور.
لكننا اليوم أردنا أن نهيئ المجال لبسط الموضوع، من زاوية أخرى، زاوية تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة، لأننا على يقين أن لهذا الأمر كما لسابقه انعكاس على حقوق المواطن، إن لم نقل قد نجد فيه البديل المناسب والحل الأمثل لتغطية الاعتمادات المرصودة لتنفيذ الأحكام الصادرة على الدولة وأشخاص القانون العام بشكل من الأشكال.
حضرات السيدات والسادة،
قد لا نختلف كثيرا حول ما تزخر به منظومتنا التشريعية من قواعد ومقتضيات شكلية وموضوعية مؤطرة لاستخلاص الديون العمومية بشكل عام، كما قد لا نختلف حول ما تتضمنه هذه التشريعات من ثغرات أو تناقضات تستدعي تجاوزها أو فراغات تتطلب ملأها.
لذا نعتقد أننا جميعا مطالبون، كل من جهته، كل من زاوية اهتمامه وتدخله، بإعادة قراءة الترسانة القانونية والتنظيمية المؤطرة للمجال، ورصد ما ترسخ من تأويلات وتطبيقات في شأنها، وما تقتضيه المستجدات المتسارعة من تدخل تشريعي لتداركها.
حضرات السيدات والسادة،
إن مؤسسة وسيط المملكة باعتبارها مؤسسة حكامة، أريد لها أن تشكل نظاما ضابطا لتوازنات أداء الجهاز الإداري، وهي تهيئ لهذا اللقاء مع شركائها، وجدت نفسها أمام العديد من المداخل التي تلامس الموضوع منها: إرجاع المبالغ المبددة أو المختلسة أو المدفوعة بغير حق، وتنفيذ الغرامات والأداءات المالية، وإيقاع الحجوزات وتنفيذها، وإنجاز البيوعات، وإيجاد الحلول الملائمة لتزاحم الديون وترتيب الامتيازات، واحترام تراتبية الإجراءات، وتنفيذ أحكام المصادرة وقرارات العقل أو التجميد أو التثقيف أوالحجز، وما يتفرع عن كل ذلك وما ينتج عنه من طلبات، ناهيكم عن تداخل وتنازع الاختصاص أحيانا بين الجهات القضائية، إلى غير ذلك من المواضيع التي يستحق كل واحد منها أن يكون مدار لقاء خاص به.
لكن، حضرات السيدات والسادة، لي كامل القناعة بأن هذه الصفوة من السادة المتدخلين، قادرين على كشف الغموض، وتوفير الأجوبة، على مختلف التساؤلات التي تثار بإلحاح، في كثير من المساطر العميلة التي يتكرر طرحها باستمرار بمناسبة كل ملف تنفيذي تم فتحه لفائدة هذه الإدارة أو تلك، وعن مجمل الانشغالات التي تصاحب هذه الإجراءات من زاوية الحقوق المشروعة للأفراد والجماعات.
ولا أخفيكم سرا أن الأمل معقود على أن نجعل من خلاصات هذا اللقاء أرضية لبلورة الفهم المشترك لواجب الإدارة (ولا أقول لحقها) في استخلاص مستحقاتها، في احترام تام لحق المطلوب في الاستخلاص وشرعية إجراءاته.
قدرنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها، وأن نجتهد وأن نبحث عن أفضل الممارسات، وأن نبتكر حلولا واضحة، وأن ننادي إن اقتضى الحال بما يتطلبه الأمر من تعديلات تشريعية لتجاوز ما قد يظهر، أو ما قد يكون حقا من نقص.
حضرات السيدات والسادة،
إننا اليوم نعطي الانطلاقة، لحوارات موسعة بين مهنية، فنقول بصوت جهاري إن هذا الموضع ليس شأنا خاصا بفئة معينة (فكما يهم القضاة يهم الإداريين ويهم المهنيين المتخصصين ) كما وليس موضع السلطة في مواجهة الحق أو العكس، بقدر ما هو موضوع أفقي يجب أن يجد فيه الكل ذاته بموجه واحد أساسه الموازنة بين الحقوق والواجبات.
إنني على قناعة تامة ويقين أكيد بأن ما سيتمخض عليه لقاؤنا هذا من أفكار سيشكل رصيدا معرفيا مهما للرصد، وتقديم البدائل والمقترحات، لصياغة ما يمكن أن نسوقه ونرفعه كتوصيات، ستساهم لا محالة في حلحلة الأمر في تجلياته القانونية والعملية، القضائية والإدارية.
وفي ختام هذه الكلمة اسمحوا لي باسمكم جميعا أن أوصل جزيل الشكر وخاصته، للسيد المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة على مبادرته وانخراطه التام ودعمه لهذا الموضوع، وعلى ما وضعه رهن إشارتنا جميعا من إمكانيات ووفره لنا من وسائل ستساعد لا محالة على إنجاح هذا الملتقى.
مرة أخرى، السيد وزير العدل، السيد الرئيس المنتدب، السيد الوكيل العام للملك، السادة الحضور شكر الله عنايتكم واستجابتكم، ووفقنا الله جميعا لما فيه خير بلادنا ورفاه مواطنينا، وجعلنا جميعا عند حسن ظن مولانا المنصور بالله دام عزه وعلاه.
الأستاذ محمد بنعليلو
وسيط المملكة
اضف تعليقا