حول موضوع : “تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام: الضمانات والصعوبات والرهانات” تحت شعار : الموازنة بين الحقوق والواجبات في استيفاء الدين العمومي : التزام بضوابط المشروعية وضمان لحقوق الملزم.
المنظم من طرف وسيط المملكة بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وإدارة الجمارك بمعهد التدريب الجمركي – بنسليمان – 26 و27 مايو 2021

بسم الله الرحمان الرحيم
حضرات السيدات والسادة الحضور كل باسمه وصفته؛
اسمحوا لي في مستهل هذه الكلمة أن أعبر عن شكري الخاص للسيد وسيط المملكة على دعوته الكريمة للمشاركة في هذا اللقاء العلمي والعملي المتميز. وهي مناسبة اغتنمها لأعرب لسيادته باسم السلطة القضائية، التي هو جزء منها، عن تقديري للجهود الجادة والجدية التي ما فتئت تقودها هذه المؤسسة، إعمالاً لمبادئ العدالة والمساواة والإنصاف الدستورية، وتكريسا للمواطنة الفضلى الفاعلة والصادقة التي توازن بين الحق والالتزام.
لقد استحضر صاحب الجلالة أيده الله بنصره وتمكينه، بنظره الثاقب ورؤيته البعيدة، ، عند إحداث هذه المؤسسة، التي كانت ديوانا للمظالم، أن بلادنا تؤسس لبعد آخر لمفهوم السلطة، مبني على خدمة المواطنين وإنصاف المظلومين. كما تفتح الباب أمام قوة اقتراحية للإصلاح التشريعي والقضائي والإداري كلما اقتضت الحاجة ذلك. ولعل استشعار هذه الأمانة هو ما أملى المبادرة إلى هذا اللقاء الهام في دلالاته ومراميه. والذي يجسد بالتأكيد السعي الدائم والدؤوب لهذه المؤسسة لإبداع الحلول الملائمة والمنصفة للمواطن والإدارة معا، المؤسسة على التعاقد الصادق، والمتسمة بالانفتاح المسؤول، باعتبارها مقومات ضرورية لسيادة القانون وإشاعة الطمأنينة وضمان الاستقرار.
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يعتبر وسيط المملكة أحد أعمدته، ليجدد التأكيد على أهمية مد جسور التعاون الخلاق بين السلطة القضائية وهذه المؤسسة المواطنة، لتذليل الصعوبات والتعقيدات والتأسيس لتفاعل بناء، قوامه إرساء العدل واحترام حقوق الإنسان وخدمة الوطن والمواطن.
حضرات السيدات والسادة؛
إن موضوع “تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام : الضمانات والصعوبات والرهانات” ليكتسي أهمية بالغة وراهنية خاصة، تزداد في هذه المرحلة التي تتميز بإرساء دعائم السلطة القضائية المستقلة مع ما يعنيه ذلك من حق الجميع، أفرادا وجماعات، مؤسسات عامة أو خاصة في الاحتماء بقضاء مستقل، منصف وفعال وضامن للحقوق والحريات، بمن فيهم الدولة التي تساءل عن تنفيذ الأحكام الصادرة عليها … ويحق لها المطالبة بتنفيذ الأحكام التي يصدرها القضاء لفائدتها.
ولا يخفى عليكم أن تنفيذ الأحكام القضائية هو الوجه الحقيقي للعدالة، والضمانة الحقيقة للمتقاضي، كيفما كانت صفته، في ولوج مرفق العدالة، فالأحكام القضائية التي
لا تعرف طريقها إلى التنفيذ هي دافع من دوافع إحباط الهمم وفقدان الثقة في جدوى المساطر القضائية التي تُفضي لحق
لا نفاذ له. كما أنها مظهر من مظاهر قصور النجاعة القضائية، وهو ما لا يمكن القبول به في ظل دولة القانون والمؤسسات.
حضرات السيدات والسادة؛
إن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية هو الغاية التي يتوخاها صاحب الحق من سلوك المساطر والدعاوى، ومن أجلها طرق باب القضاء، ولذلك كان لزاما أن تُعطى لهذا النوع من التنفيذ، العناية اللازمة. والتي من مظاهرها خضوع الجميع لسلطة ومراقبة القاضي، أيا كان المبادر إلى التنفيذ. وهو ما ينطبق كذلك على تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام، كالغرامات والإدانات النقدية والمصاريف والرسوم القضائية وغيرها.
ولعل الحديث عن تنفيذ هذا النوع من الأحكام، هو حديث عن الدور الكبير والمحوري الذي يلعبه جهاز كتابة الضبط في منظومة العدالة، والذي لا يسعنا معه جميعا إلا الإشادة بما يؤديه أطره وموظفوه المتفانون من خدمات جليلة، في سبيل تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية، وفي مقدمتها تلك القاضية بتحصيل الديون العمومية.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن قضايا استيفاء الديون العمومية، كانت محل نظر القضاء المغربي بمختلف أنواعه ودرجاته حيث تَعَرَّضَ لها من زوايا مختلفة، سواء من خلال بته في النزاعات والقضايا المتعلقة بتنفيذ هذا النوع من الأحكام أو من منطلق التحصيل الجبري للديون العمومية وما يتفرع عنها من مساطر قضائية، من قبيل المنازعة في صحة الإنذارات أو سلامة إجراءات الحجز والتصفية القضائية، وصولا إلى الإشكاليات القانونية والعملية التي تعترض هذا النوع من التنفيذ، وهو ما ستتناوله مداخلات ممثلينا في هذا اللقاء.
على أن الممارسة العملية الراسخة تؤكد غنى اجتهادنا القضائي في الموضوع، حيث إنه لم يدخر جهدا لإعمال دوره في سد ثغرات التشريع من خلال توضيح ما غَمُضَ من مقتضيات قانونية، واستكمال ما نَقُصَ منها، وعند الاقتضاء ترسيخ مبادئ الإنصاف وأولوية الصالح العام في تأويل ما توحي الصياغات منه بتعارضها، وذلك من خلال قرارات متواترة تهم عددا من الإشكاليات والنزاعات. كما أن الواقع المعاش يؤكد وجود عجز كبير في تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة، وربما بنسبة تفوق بكثير العجز المسجل في تنفيذ باقي الأحكام. وهو ما يسائلنا في هذه الندوة، لأن الدولة نفسها مسؤولة عن تنفيذ الأحكام. فلا يعقل أن تعجز مؤسساتها على تنفيذ هذه الأحكام.
وإني لواثق أن طرح موضوع من هذا الحجم للنقاش أمام هذا المستوى الرفيع من الفعاليات والكفاءات والخبرات الحاضرة في هذا الملتقى العلمي الهام اليوم بمختلف التخصصات في المجال القانوني والقضائي، سيمكن لا محالة من تعميق النظر، والإحاطة بكافة الإشكاليات والإكراهات التي تعترضه، والجواب على أهم التساؤلات التي تراود الممارسين في هذا الباب، مع الخروج بمقترحات وحلول لابد أنها ستشكل إضافة نوعية نحن بأمس الحاجة إليها، لبلوغ تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة وأشخاص القانون العام، في ضوء ما راكمته محاكم المملكة بمختلف درجاتها من ممارسات فضلى في هذا الموضوع، وبما يعزز الثقة في عدالتنا التي نسعى دائما، من موقعنا كقضاة وفاعلين في منظومة العدالة، أن تكون في مستوى تطلعات المجتمع وانتظارات صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
أسأل الله أن يوفقنا جميعا لما فيه خير وصلاح هذا البلد الأمين، وأن يدخلنا مدخل صدق ويخرجنا مخرج صدق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.