كلمة السيد وزير العدل بمناسبة اللقاء التواصلي الخاص “دور العدل في منظومة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
بتاريخ: الخميس 1 أكتوبر 2020 بالمعهد العالي للقضاء
– حضرات السيدات والسادة الأفاضل.
– السيد رئيس وحدة معالجة المعلومات المالية.
– السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط.
– السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط.
– السيد رئيس الهيئة الوطنية للعدول.
– السادة رؤساء المجالس الجهوية للعدول.
– السادة ممثلو وسائل الإعلام.
– الحضور الكريم
شرف واعتزاز كبير أن أفتتح هذا اليوم معكم أشغال اللقاء التواصلي الخاص “بدور العدل في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”بعد سلسة من اللقاءات مع هيئات المحامين بالمغرب في انتظار لقاءات مع السادة الموثقين في الأيام المقبلة، بهدف التعريف بالمقتضيات القانونية الوطنية لمنظومة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتدارس مدى تفعيل المهن القانونية والقضائية للالتزامات المفروض عليها في هذا الإطار. وبهذه المناسبة، أود أن أرحب بالسيد رئيس وحدة معالجة المعلومات المالية والأطر العاملة معه، والسيد رئيس الهيئة الوطنية للعدول والسادة رؤساء المجالس الجهوية للعدول شاكرا لكم تلبية الدعوة وكذا حسن التجاوب والتعاون الدائم، الذي ما فتئتم تعبرون عنه في كل مناسبة بحس عال من المسؤولية والوطنية الصادقة.
أيها السيدات والسادة،
تقوم منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على مقاربة شاملة ومتعددة تروم من جهة إلى تعزيز آليات الوقاية وتطويق منافذ توظيف الأموال غير المشروعة، ومن جهة ثانية إلى اعتماد مقاربة للتصدي ناجحة وفعالة تحقق الردع المطلوب، نظرا لخطورة الجريمتين وتعقدهما.
فجريمة “غسل الأموال” وجريمة “تمويل الإرهاب” تكتسيان طبيعة خاصة معقدة ومركبة تختلف عن باقي الجرائم، الأخرى، تحتاج سياسة مكافحتها والوقاية منها نهجا خاصا تمتزج فيه الأدوات القانونية والأدوات المؤسساتية وتتكامل فيه المقاربات الزجرية مع المقاربات الوقائية، وتتناسق فيه تدابير كافة الجهات المتدخلة (تشريعية، أمنية، قضائية، مالية…).
وتماشيا مع ما راكمه المنتظم الدولي من زخم معرفي وعملي في مجال مواجهة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن المملكة المغربية سارعت إلى مسايرة هذا النهج ووضع الأدوات القانونية والمؤسساتية اللازمة منذ ما يقارب عقد من الزمن، تعبيرا عن إرادتها القوية في مجال مكافحة الجريمة وتنفيذ التزاماتها الدولية في هذا الإطار.وذلك من خلال الحرص على إشراك العديد من المعنيين في القطاع الغير المالي من قبيل بنك المغرب، وأسواق الراساميل، وهيئات التأمينات ومكتب الصرف، إضافة إلى القطاع الغير المالي من قبيل المحامين والعدول والموثقين، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فقد تم إحداث لجنة وطنية تتكون من جميع الإدارات والهيئات والمؤسسات المعنية، تناط بها مهمة تحديث وتحيين نتائج التقييم الوطني للمخاطر بشكل مستمر، واقتراح استراتيجية وطنية لمكافحة جرائم غسل الأموال والإرهاب وتمويله والجرائم الأصلية، وذلك بغية تعزيز التنسيق والتعاون بين المصالح المعنية بما يضمن انسجام وانتقائية المشاريع والإجراءات التي يجب اتخاذها لمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وكما هو معلوم فإن المملكة المغربية خضعت للجولة الأولى من التقييم المتبادل سنة 2007، في الوقت الذي لم تكن تتوفر فيه بعد على قانون لمكافحة غسل الأموال ولم تكن قد أنشئت بعد وحدة معالجة المعلومات المالية.
وقد عرفت بلادنا الجولة الثانية للتقييم المتبادل لمنظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ابتداء من شتنبر 2017، وامتدت إلى ما يناهز سنة ونصف حيث تمت مناقشة تقرير التقييم المتبادل الخاص بالمملكة المغربية خلال الاجتماع العام المنعقد ببيروت في نونبر 2018 وكذلك خلال الاجتماع العام المنعقد في أبريل 2019 بعمان والذي قام باعتماد هذا التقرير.
ويمكن القول بأن أهم خلاصات واستنتاجات ونتائج تقرير التقييم المتبادل تبرز التطور الملحوظ الذي عرفته هذه المنظومة بين الجولة الأولى والثانية، وإن كانت لا تخلو من بعض الملاحظات السلبية التي خصت القطاع غير المالي ومدى انخراط المهن القانونية والقضائية في المنظومة الوطنيةلمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رغم ما تمثله من درجات خطورة مرتفعة حسب ما أكده التقييم الوطني للمخاطر انطلاقا من عدة مؤشرات حيث لم يتعدى عدد التصاريح بالاشتباه المحالة على الوحدة من طرف المحامين 8 تصاريح، مقابل 5 تصاريح للموثقين في حين لم يسجل أي تصريح بالاشتباه صادر عن العدول مند إحداث الوحدة سنة2009، زيادة على ملاحظة عدم التقيد بمتطلبات اليقظة وتفعيل آلية المراقبة الداخلية وإطلاع الوحدة وجهة الإشراف بالمعلومات الضرورية، الشيء الذي انعكس سلباعلى الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة جميع أشكال الجريمة المالية المنظمة.
أيها السيدات والسادة،
كما تعلمون، فإن المنهج القائم على المخاطر يمثل العمود الفقري للمنظومة بالنسبة لجميع الدول، لذلك فإن حكومات الدول مدعوة لتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بناء على أوجه القصور والتهديدات التي تواجهها واعتماد نتائج هذا التقييم وتعميمه على القطاعين العام والخاص، وفي ضوء ذلك، تبني استراتيجية وطنية للحد من تلك المخاطر والتحكم فيها.
وانطلاقا من كون وزارة العدل جهة إشراف على بعض الجهات الخاضعة في شخص المهن القانونية والقضائية، واعتبارا إلى كون المملكة المغربية تخضع حاليا للملاحظة والمتابعة من قبل مجموعة العمل المالي الدولية، فقد أصبح من الضروري والملح تظافر جهود مختلف المهن المالية وغير المالية،وذلك من خلال تفعيل الالتزامات المفروضة قانونا على المهن القانونية والقضائية كواجب الالتزام باليقظة والتصريح بالاشتباه والمراقبة الداخلية وفق ما تنص عليه مقتضيات القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال.
وباعتبار خطة العدالة محورا أساسيا في المنظومة القضائية، لكونها من المهن القانونية والقضائية التي تزاول في إطار مساعدي القضاء مجموعة من المهام في مقدمتها توثيق الحقوق والمعاملات وما يترتب عن ذلك من مساهمة في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية من جهة ومن جهة ثانية جحم المعاملات والعقود المبرمة وعدد المنسبين إليها فإنها تشكل درجة خطورة مرتفعة حسب ما أكده تقرير التقييم الوطني للمخاطر بناء على مجموعة من المؤشرات سيتم توضيحها أثناء تقديم نتائج تقرير التقييم الوطني.
وفي هذا السياق يأتي تنظيم هذا اليوم التواصلي الذي يروم إلى التعريف بالمقتضيات القانونية المتعلقة بمجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لاسيما منها الالتزامات المفروضة على الأشخاص الخاضعة بمقتضى هذا القانون لفائدة السادة العدول، آملا أن يشكل هذا اللقاء فرصة للتنسيق والتشاور البناء بين هذه الوزارة ووحدة معالجة المعلومات المالية والهيئات الممثلة للسيدات والسادة العدول بهدف وضع تصور للتنزيل الأمثل للمقتضيات القانونية الوطنية والدولية المؤطرة للموضوع وتفعيل دور العدل في مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتفادي ملاحظات السلبية المسجلة في هذا الإطار خاصة على مستوى التصاريح بالاشتباه حسب ما تؤكده المعطيات الإحصائية المسجلة لدى وحدة معالجة المعلومات المالية مقارنة مع باقي الأشخاص الخاضعين خاصة المهن المالية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
لي اليقين أن السيد رئيس الهيئة الوطنية للعدول والسادة الرؤساء المجالس الجهوية الأفاضل سيحرصون على التنزيل الأمثل للالتزامات المفروضة وعيا منهم بأهمية الموضوع وتداعياته على الالتزامات الدولية لبلدنا وآثار ذلك على اقتصادها الوطني، كما سبق أن عودونا في مناسبات متعددة على مواقفهم المشرفة انتصارا لسيادة القانون.
وبقدر يقيني بحرص السيدات والسادة العدول على تنفيذ القانون والسهر على سيادته، بقدر استشعاري بالحاجة الضرورية للتنسيق والتعاون الدائم وتقديم المساعدة التقنية لتنزيل الأمثل للالتزامات المفروضة.
وفي هذا الإطار تحرص وزارة العدل بتنسيق مع وحدة معالجة المعلومات المالية على برمجة لقاءات تواصلية مع الرؤساء المجالس الجهوية للعدول للتعريف بالالتزامات المفروضة وكيفيات التنزيل الأمثل لها، مع توفير دلائل علمية مبسطة لفائدة السيدات والسادة المحامين. كما ستحرص على المواكبة المستمرة للموضوع وتقديم المساعدات التقنية اللازمة.
وفي الأخير، لا يسعني إلا التنويه بالمجهودات التي قام بها فريق العمل الوطني تحث إشراف رئيس وحدة معالجة المعلومات المالية بمناسبة مناقشة تقرير التقييم المتبادل للمنظومة القانونية الوطنية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتوضيح الملف المغربي وتقوية جوانبه الإيجابية وكسب فرصة أخرى لتثمين الجهود المبذولة وتدارك أوجه القصور. كما نجدد الشكر والترحاب بالسيد رئيس الهيئة الوطنية للعدول والسادة رؤساء المجالس الجهوية على الاستجابة للدعوة وعلى تفاعلهم الإيجابي الدائم والمستمر وعلى الروح الإيجابية التي يعبرون عنها في كل مناسبة بحس عال من المسؤولية ورقي في الحوار والنقاش.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
Leave A Comment