مصطفى امباركي عدل بإستئنافية فاس فوج 2018

إنه لشرف عظيم أشعر به اليوم وأنا أكتب لكم، وإنني لا أزعم أنني أحمل لكم الجديد حول موضوع إنتخابات المهنة، وهو بالسعة والتعقيد بمكان، لكن أملي الوحيد ان تثير مداخلتي هذه اهتماما ومواقف تؤدي إلى التفكير في الموضوع بجدية، وذلك لأن وعينا بقيمة الإنتخابات لا زال ضعيفا.

ففي أشهر صيفية حارة مثقلة بمستجدات فيروس كورونا (C.O.V.19) يتطلع العدول إلى إنتخاب رئيس الهيئة الوطنية للعدول ورؤساء المجالس الجهوية لها، طبقا لما هو منصوص عليه في المواد من 61 إلى 82 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة ، في ظروف غير مسبوقة، مع ما تحمله هذه الأشهر القادمة من جدل ونقاش بدأ في الأيام الأخيرة ، وما تختزله من رهانات وتحديات.

هذه الإنتخابات حدث لا شك أنه مهم على إعتبارين الأول أنها تأتي في ظروف مختلفة على تلك التي جرت قبلها، والإعتبار الثاني أنها تمثل الأمل الذي تبقى للإنتقال إلى عهد جديد في تدبير شؤون العدول طيلة مدة 14  سنة الماضية.

إن فكرة الإنتخاب مرتبطة تاريخا بالصراع حول أساس السلطة المنتخبة أي تحديد مصدر السيادة وطريقة ممارستها والتعبير عنها، وقد تطورت مع تطور متطلبات الحياة البشرية، وقد أصبح الانتخاب أو بالأحرى التصويت في الإنتخابات وسيلة من أجل التغيير.

وعليه، فإن هذه الإنتخابات تضع العدول أمام خيارات صعبة، فهي فرصة لإقامة أساس سليم لتحقيق الديمقراطية داخل المهنة، وتعزيز العناصر الفاعلة التي تساعد على ضمان حرية ونزاهة هذه الإنتخابات، على إعتبار أن الإنتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، ومن جهة أخرى فهي فرصة لتكريس مفهوم المؤسسات.

ومع ذلك فإن هذه الإنتخابات خاصة على مستوى الرئاسة الوطنية هي جزء من صراع عالي المخاطر على مستقبل المهنة، لا شك أنها ستجري في إطار هائل من عدم اليقين بالتغيير المنشود، وذلك لسببين الأول إنعدام الرؤية الإستراتيجية، والثاني وجود وجوه قديمة تعيد تشكيل نفسها والمشاركة في هذه الإستحقاقات بطرق جديدة.

وأمام تحديات فيروس كرونا والأفق الضبابي للوضع برمته، لا زال تعويل العدول على الإستمرار في الجدول الزمني للإنتخابات سواء على المستوى الرئاسة أو المجالس الجهوية والتي قد تشهد تطورات غير مسبوقة وإحتمالات متعددة ربما تفضي إلى تأجيل موعد هذه الإنتخابات المحدد قانونا.

إن المخاوف من أن عناصر خارجية أو داخلية سوف تؤدي إلى تقويض هذه الإنتخابات ستخلق ضغوطا لدى القاعدة وستساهم في العزوف على الإنتخاب وإستبعاد المرشحين ذوي الكفاءة والشرفاء.

في ضوء هذه التحديات وبإقتراب موعد الإنتخابات يطرح السؤال العريض -القديم الجديد- أي تغيير ستحمل هذه الإنتخابات لمصلحة العدول؟.وهل العدول مستعدون لكل السيناريوهات المحتملة في ظل إستمرار تسجيل أعداد كبير من المصابين بفيروس كرونا؟.

سنحاول ما أمكن الإجابة عن هذا التساؤل  من خلال مطابين رئيسيين، ونبدأ الاول بالحديث عن الإشكالات التي تواجه هذه الإستحقاقات على أن نخوض في إنتخاب الرئيس الوطني ثانيا.

المطلب الاول: إنتخابات المجالس الجهوية للعدول والرئاسة الوطنية من إشكالية الإنتخاب إلى إشكالية الإصلاح

يعاني النظام الإنتخابي في المغرب عدة إشكالات سواء على المستوى التنظيمي أو القانوني أو السياسي وهو شأنه في ذلك كباقي النظم المقارنة على مستوى العالم، والإنتخابات المهنية لا تمثل الإستثناء في هذا الإطار، فالإنتخابات التي عرفتها الهيئة الوطنية للعدول والمجالس الجهوية لها منذ صدور القانون المنظم للمهنة رقم 16.03 بتاريخ 14 فبراير 2006 عرفت عدة متغيرات كان الغالب فيها الأشخاص لا البرامج والإصلاحات بحيث إتسمت بأزمة المسار.

هذا، بالإضافة إلى إشكاليات عميقة وبنيوية نذكر أبرزها :

  • ضعف المشاركة في العملية الإنتخابية.
  • إشكالية إعادة إنتخاب نفس الوجوه القديمة
  • عدم مناقشة التقارير المالية والأدبية قبل الإنتخابات وتأجيلها أحيانا كثيرة إلى ما بعدها.
  • التساهل في بعض المجالس حول مسألة النصاب القانوني عند التصويت
  • إشكالات قانونية نذكر منها على سبيل المثال الفقرة الثانية من م 62 التي جاء فيها :”…يرجح في الإنتخاب أي- رئيس الهيئة- عند تعادل الأصوات العدل الأقدم ممارسة في المهنة” وهذا المعيار معيب فالكفاءة لا تقاس بالسن وإنما بالمعرفة والتجربة وغيرها…فما الغاية من إستبعاد رئيس مرشح وذو كفاءة وترجيح رئيس عليه لأنه أكبر سنا وربما يكون أقل كفاءة منه.
  • شروط المرشح لرئاسة الهيئة الوطنية الملاحظ فيها تغيب المؤهل العلمي وكذلك السن فلا يعقل ان يترأس الهيئة الوطنية شخص لا يفقه في الأمور القانونية شيء أو شخص قد تجاوز 70 سنة من عمره….الخ.

إن الإنتخابات تعبير عن إرادة حرة ولا يجوز أن يسرق أحد تلك الإرادة بأي مبرر كالإستمرارية أو غياب البديل، فالإنتخاب أو التصويت حق وواجب في نفس الوقت مكفول بالدستور بموجب الفصلين 17 و30 منه وبالمواثيق الدولية، فالإنتخابات تعتمد على الثقة بالدرجة الأولى في المرشح، فإنعدام هذه الأخيرة يؤدي إلى إزدياد المشاكل التي تعاني منها المهنة .

نعم، انعدام الثقة أمر لا مفر منه في جميع المرشحين بعد هذه التجربة الإنتخابية المتواضعة، ولكن الشكوك مرتفعة بشكل خاص في المرشحين غير المعروفين سواء فيما يخص مواقفهم أو توجهاتهم.

لكن قبل إجراء الإنتخابات لابد من القيام بمحاسبة حقيقية والقطع مع الماضي بما يضمن عدم استمرارية التدبير غير الناجع، وذلك حتى يكون للإنتخاب معنى ويؤدي وظيفته.

وعليه، فالمرشح الذي يريد أن ينهض بالمهنة ويرسي قيما أخرى في التعامل ونماذج من الفكر والتسيير هو الذي يجب أن يتقدم ويصوت عليه ، خاصة أن الهيئة الوطنية للعدول ومجالسها تعاني الكثير من الويلات ، ولا تجتمع على كلمة في كثير من القضايا المصيرية.

وهذا له عدة مسببات أبرزها إنتخاب من لا يستحق، والإنقسام بين المسيرين لشؤون المهنة نفسهم، وبين هؤلاء والقاعدة، وكذلك الإستفراد بإتخاذ قرارات أحادية دون العودة إلى القاعدة، ولعل المثال الأبرز هو المقرر الأخير للمكتب التنفيذي الذي عدل بموجبه النظام الداخلي للهيئة- المواد 27 و119 منه، حيث عرف هذا المقرر تضارب بين المجالس في طريقة تطبيقه خاصة فيما يتعلق بالزيادة في مبلغ الانخراط بين من طبقه بحذافيره، وبين ما اجتهد فأصاب أو اخطأ، وبين من لم يطبقه بالمرة إيمانا منه بأن المقرر غير مجدي ولا يخدم مصالحه، مع العلم أن هذا التعديل حسب تصريح  الرئيس جاء بناء على إقتراح بعض أعضاء المكتب التنفيذي ولم يكن من اقتراحه الشخصي وهذه مفارقة عجيبة.

والحقيقة أن تعديل المادة 119 أعلاه كانت القشة الأخيرة التي أقسمت ظهر المكتب التنفيذي في آخر أنفاسه من الولاية الحالية، والذي للأمانة نقول إنه كان غير موفق فيه، فقرارات “كوكوك منوت” تفرز لنا معضلات حقيقية تكون أحيانا عرقلة أمام تقدم المهنة.

فمثلا القرار المتعلق بمبلغ الانخراط الذي يرفضه العدول الجدد سبق وأن عطل مجلس الدار البيضاء، ،زد على ذلك الدمغة التي تعرف عدة خروقات إلى يومنا هذا لعدم تنظيمها تنظيما محكما، وكذلك لعدم وضوح المسار الذي تصرف فيه تلك الأموال.الى غيرها من القرارات الفاشلة.

فالتعديل الأخير جاء في وقت متأخر، ورغم معارضة بعض أعضاء المكتب له فقد تم التوقيع عليه لعدة أسباب منها كبح جماح الوزارة من فتح الباب للمزيد من المترشحين لولوج المهنة بعد أن كانت الوزارة قد حددت الخصاص في أكثر 4000، إذا علمنا أن القانون الحالي للأسف يسمح بولوج بعض الفئات دون مباراة كالدكاترة والمنتدبين القضائيين وأصحاب الشواهد العالمية…، وكذلك الخوف من تأخر خروج القانون المعدل الذي يمنع هؤلاء من الترشح… بالإضافة إلى أسباب منها ما يتعلق بوعود إخراج قانون 16.03 المعدل من رفوف الوزارة في أقرب أجل.

نهيك على إتفاقية التغطية الصحية والمعاشات التي وقع عليها الرئيس مع صندوق الضمان الإجتماعي بتاريخ 03 مارس 2020 لتحديد كيفيات تبادل وتحيين المعلومات الضرورية لتسجيل العدول، المستوفين لشروط الخضوع المنصوص عليها في القانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض،الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والقانون رقم 99.15 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا ،بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وذلك قصد تمكينهم من الإستفادة من التأمين الإجباري عن المرض ومن المعاش طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل كما توضح هذه الإتفاقية إجراءات التسجيل وأداء الإشتراكات للصندوق من طرف العدول، والتي لم تجد طريقها إلى التطبيق إلى يومنا هذا،بسبب مضامينها التي رفضها جل العدول لكونها تتضمن بنود مجحفة ولا تخدم مصلحة العدول.

هذا غيض من فيض من هذه الإشكالات التي تتخبط فيها المهنة بسبب خلل العملية الإنتخابية وترشيح وتزكية بعض المرشحين الذي يتقنون الحديث فقط نهيك عن معضلة النساخة التي للأسف لو إستثمرت كل هذه الظروف من دخول الفوج الجديد بوافده النسوي، وتوجه الدولة نحو الرقمنة، وظروف كرونا لكانت هنالك نتائج ايجابية في هذا الإطار، ولكن الملاحظ أنه حتى ملف النساخة الذي يهم الجميع وتدبيره في صالح الجميع عرف بدوره خروقات ومساومات ومزايدات إنتخابية كان كل ذلك سبب في تأجيج  الأوضاع بين النساخ والعدول وعطل العمل العدلي بشكل كلي في بعض المجالس لأيام ولا زالت بعض المجالس لم تتوصل إلى حل مرضي بعد،حتى أصبح مثال” الحرث في البحر” ينطبق عليهم.

إن القضية الأساسية اليوم إذا نظرنا من زاوية التأسيس لمرحلة جديدة بناء على إنتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية هي أن تكون للمهنة أخلاقيات، ليست القضية أن نحافظ المكتسبات فقط دوت تعزيزها أو أن نحافظ على الجلباب كلباس للعدل أو نختار بذلة خاصة لنا على غرار باقي المهن القضائية الأخرى إنما القضية بتعبير آخر بأي فكر وروح يجب أن نعمل، فالجلباب “التجربة” لم يعد يعني في زمننا أي شيء فهو رمز فقد معناه ولا يضفي على لابسيه تواضعا ولن يكسبهم خلقا إسلاميا.

فعلى سبيل المثال هنالك من الرؤساء من عمل في دواليب الهيئة منذ أول مكتب وخاض غمار تجربة الرئاسة على المستوى الجهوي،  ولكن تلك التجربة المتراكمة لم تعطي الثمار المنتظرة بتحليل عام لهذا الكلام هو أن هاته الوجوه يجب أن تتغير جذريا حتى يتم الإنتقال إلى مرحلة جديدة يقودها أناس آخرين بعيدين على التجاذبات السياسية الضيقة، وهنا أحمل المسؤولية للجيل الجديد والذي للأسف لم يخض غمار تحمل المسؤولية، إلا بعض الوجوه القليلة، يقال إن الطبيعة تخشى الفراغ، هذا الإستنتاج البسيط بحدوده التي يفرضها كل تحليل ذي صيغة شمولية وعمومية.

هذا، وأقول لتلك العقلية الأصولية التي تريد أن تسود وتحكم وهي لا ترى من الإنتخابات إلا المصالح والكراسي والتعويضات…ثم تغلب هذه القضايا على جوهر الإنتخابات وروحها ولبابها…وعلى الهدف الذي من أجله يصوت العدول ويختارون قوله تعالى:” “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين”.

المطلب الثاني : انتخاب رئيس الهيئة الوطنية للعدول بين تفاؤل بالنجاح وحذر من الفشل

ستعرف الهيئة الوطنية للعدول إنتخابات الرئاسة في النصف الأول من شهر ديسمبر عن طريق الإقتراع الفردي السري المباشر، وبالأغلبية النسبية للأعضاء الحاضرين على ألا يقل عددهم عن نصف أعضاء الجمعية العامة، وفي حالة عدم إكتمال النصاب يؤجل الإجتماع لمدة 15 يوما، وفي هذه الحالة يتم الإنتخاب بالأغلبية النسبية للأعضاء الحاضرين حسب المادة 62 من القانون رقم 16.03 المنظم للمهنة بعد أن أسدل الستار على فترة المكتب الحالي .

والملاحظ أن إنتخاب الرئيس لطالما شكل الهاجس الحقيقي للعدول، لما يمثله من رمزية ولما يمثله من واجهة لهم و للهيئة، وقد تفاوتت الولايات الماضية من حيث الشكل والمضمون بسبب شخصية الرئيس ومرجعيته، فكان هناك رؤساء “براغماتيين” وآخرين دبلوماسيين، وهو ما شكل تدبدب في مسار بناء الهيكل الصلب لمؤسسة الرئيس، فللأسف كانوا بعض رؤساء قد بدؤوا مسار لو تمت تكملته لتحققت العديد من المطالب، ولكن شاءت الأقدار أن يترشح رؤساء آخرون ويعيدون كل العملية من بدايتها، وهو سبب التأخر في المهنة مقارنة مع باقي المهن المنافسة ،بالإضافة إلى بنية عقلية الرؤساء من حيث الكفاءة والشخصية وغير ذلك من الأمور المرتبطة بتسيير شؤون المهنة، مما عطل دور الهيئة في لعب أدوارها الطلائعية.

وعند فشل أي مشروع دائما ما يتهم القادة، ولكن في إعتقادي أن القاعدة تتحمل هي أيضا جانبا من المسؤولية في هذا المضمار، فإنتخاب الذي يتقن معرفة كل شيء كارثة على المهنة فهو بمثابة بائع الخردوات ،أنها فقط بقايا  وفظاعة.

ولذلك يجب على المرشحين الإستجابة للتحديات التي تطرحها هذه  الإنتخابات، بحيث ينبغي أن يقدموا برامج يستطيعون تطبيقها على الواقع، وليس أوهام تتبخر بمجرد الفوز، والتركيز على الإحتياجات الأكثر إلحاحا، فالإنتخابات تصبح سيئة ولا يمكن الركون إليها عندما تعيد إنتاج نفس الأفكار والبرامج، فالإنتخابات الحقيقية هي تلك التي تحقق أكبر قدر من المشاركة والنتائج .

إن المثال الحديث في الإنتخابات الماضية مثال يعبر عن مآزق حقيقية فيما يتعلق ببرامج الرؤساء المرشحين لا ينبغي تكرار ما فات بأي وجه كان، خاصة في ظل المستجدات الوطنية والدولية.

تسعى كل الهيئات المهنية جاهدة لتحقيق تحول بالإعتماد على شخصيات المرشحين وبرامجهم، ويبدوا أن هذا التحول في مهنة العدول ترسخ لدى العديد منهم حيث كانت الإنتخابات السابقة تفاوتت من حيث البرامج المقدمة.

إننا في معمعة تطوير المهنة والرقي بها،لازال البعض يميل إلى تصور المستقبل إنطلاقا من الماضي وهو الخطأ الذي يجب تفاديه في انتخاب الرئيس ورفاقه.

فقد تراكم لدى بعض العدول عبارات وشعارات توحي باتصافهم بالذكاء والعظمة والألمعية والأخلاق وغيرها من الصفات الايجابية ذات البعد الجماعي، ويتضح ذلك من خلال كتاباتهم وحديثهم وشعاراتهم، لكن هل هذا الوصف يكون بالفعل صحيحا ،هل يمكن القول أنه بوجود علماء أفذاذ في القاعدة أن الرئاسة تكون متقدمة بالتبعية.

وعليه، فإنه إذا كان الإنتخاب ضرورة لتجديد المكتب فإن هنالك ضرورة ملحة وهي المحاسبة فلا يمكن نقول أن (عيب البحيرة تفتيشها)، بل العكس من ذلك مناقشة التقارير المالية والأدبية بشكل شفاف قبل الانتخاب ومحاسبة المقصرين وتطبيق القانون سيكون بداية التغيير الحقيقي والمنشود.

إن أكبر عائق يهدد رهان التغيير في إنتخاب الرئيس المقبل هو التجديد والتشبيب، وذلك لتجاذب الفعل الإنتخابي بين جناح الإستمرارية وتقاسم “الكعكة” وبين جناح يخاف من إنعكاسات تغير المشهد كليا وتأثيره على المكتسبات والمسار، ولكن أملنا جميعا أن تمر هذه الإنتخابات سواء على مستوى الرئاسة أو المجالس الجهوية بشكل نزيه وديمقراطي وفي إطار القانون حتى تفرز قيادات تستطيع قيادة المرحلة الجديدة بشكل سليم والبحث عن موضع قدم سواء على مستوى دواليب الدولة أو على مستوى الدولي بالإنفتاح والإندماج في هيئات ومؤسسات دولية.

ومن وجهة نظرنا فإن الإنتخابات المقبلة رغم أنها تأتي في سياق إصلاحات مختلفة إلا أنها لا تعدو أن تكون إنتخابات تقنية لتبادل المراكز دون أن يكون لها أثر حقيقي، لأن كل هذه الإنتقادات الموجهة للمسئولين الحالين لن تثنيهم من المشاركة مرة أخرى في المشهد.

ولكن رغم أن الصورة قاتمة فإن الفرصة لا زالت قائمة لتغيير من يمكن تغييره والتأسيس لمرحلة جديدة يكون عنوانها الجرأة و الإصلاح العميق ، وهذا  لن يتأتي إلا بالإنخراط في العملية الإنتخابية ترشيحا وإنتخابا لإنتاج رؤساء وأعضاء يحملون أفكار وبرامج إصلاحية في مختلف نواحي المهنة.

فالمهنة بمؤسساتها وبمكوناتها البشرية كبرت وتوسعت رقعة وجودها وتعددت إحتياجاتها وكثرت تحدياتها، فمن الضروري أن تكون الهيئة والمجالس حلقة وصل بين القاعدة والدولة والمؤسسات لإيجاد نسق وسياق متماسك داخل المهنة لحفظها وحمايتها.

وأعتقد أن المعركة الحقيقة لكل رئيس هو التشريع بمفهومه العام فالمعلوم أن القانون المعدل لا زال لم يرى النور والولاية الحالية على مشارف الإنتهاء، مع الإشارة إلى أن الرئيس الحالي كان قد وعد العدول في لقاء له بتاريخ 10 يونيو بأن القانون سيكون في الأمانة العامة للحكومة في 15 يونيو 2020 ولكن لم يحدث ذلك، فالقانون لا زال في دورة المؤسسات الدستورية المعنية والتي ستناقشه وتعطي ملاحظاتها فيه قبل أن يحال على الحكومة ثم البرلمان، وقد يعود إلى رفوف الوزارة إلى غير رجعة، إذا لم تكن هناك يقظة ومتابعة من قبل الهيئة والمجالس الجهوية، مع الإشارة إلى أن بعض المقترحات التي قدمتها الهيئة كإعادة النظر في الخطاب ستعرقل المسار وربما يخرج القانون كالعادة مشوه ومبتور الرجلين وحينها ننتظر عشرين سنة أخرى لنعدل ما تبقى منه، ولن تفيد الإنتخابات حينها في شيء.

خاتمة:

في الختام نتمنى لهيئتنا ومجالسنا التوفيق والنجاح حتى تكون المهنة في المكانة التي تستحقها وتواكب التطور والحداثة وتساهم في الرقي بالمستوى الإجتماعي للعدول وتكون في خدمة إقتصاد البلاد وتنميته.

وان كان التفاءل بهذه الانتخابات قليل الا انه ليست ميتا، هذه فرصة يجب استغلالها كما يجب لتفادي تكرار التجارب السابقة.