في خضم تعدد الرؤى المطالبة بالإصلاح والتجديد في سبيل تحقيق مرفق التوثيق العدلي الناجح ، اتخذت الهيئة الوطنية للعدول لنفسها الأسلوب المناسب الذي تراه لتسيير شؤون العدول وتحقيق المطالب المنشودة، وقد اتخذ غياب التواصل النهج الأبرز لتحقيق المطالب والوصول إلى الأهداف.
وبما ان المدخل الأساسي لأي إصلاح للمهنة هم العدول لذا كان لزاما على الهيئة منذ تأسيسها ان تفتح نقاش جدي وحوار واسع بين الجسم العدلي بجميع مكوناته أفقيا وعموديا وعلى راس ذلك الرئاسة لأنها تشكل حجر الزاوية لتحقيق كل المطالب،لأن النجاح في الوصول إلى المرامي رهين بتماسك الجسم وتوحيد الكلمة ثم كذلك عدم تغييب الأطراف الأخرى ذات العلاقة المباشرة والغير مباشرة والتي تؤثر في تحقيق الهيئة لأهدافها، ومع كل الأطراف المؤثرة والمتأثرة بخدمات مؤسسة التوثيق العدلي.
أهمية التواصل المهني:
ان الاهتمام بالتواصل بكل أنواعه بين الهيئة والقاعدة هو السبيل الوحيد للتغلب على كل المعوقات التي تعوق تقدم المهنة، فغياب الاتصال والتواصل تولد عنه قناعة أكيدة لدى العدول بأهميته، لنجاح الهيئة في أسلوب عملها وتدبيرها للشأن المهني، وسيرها نحو النجاح، من خلال سبر الذات لأن من ينجح في التواصل مع ذاته ويفهم أغوارها يعي قدراته في سبر ذوات من حوله، ومتى ما تحققت قدرته في التواصل الفعال مع الأطراف المؤثرة في عمل الهيئة، أدرك يقينا وصول مرفق العدالة إلى بر الأمان، وأن الهيئة قد اتخذت لنفسها السبيل الصحيح لتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة.
كما ان التواصل مع القاعدة (العدول) هو العمل الذي يمكن الهيئة من خلاله بجمع المعلومات ورصد الإختلالات وهي عملية ضرورية لصنع القرار الفعال،سواء كان هذا التواصل مكتوبا أو غير مكتوب، رسميا أو غير رسمي، الأهم فيه ان يكون متوجها نحو تحقيق هدف من الأهداف الرئيسة التي تدخل ضمن أولويات عمل الهيئة وضمان نجاحها. فهو يضمن تحقيق الأداء على المستويات كافة.
لذلك فالتواصل الفعال يعد من الأدوار المهمة لرئيس الهيئة و(رؤساء المجالس الجهوية) كذلك، والذي من خلاله يستطيع هؤلاء ان يحققوا العديد من الأهداف والمطالب سواء على المستوى الوطني أو الجهوي.
لكن في المقابل فالمتمنيات والمطالب كثيرة، فالرئيس كيفما كانت قدرته التواصلية ونيته واجتهاده ونزاهته فان تحقيق كل تلك المطالب رهين بوجود الرئيس ومن معه في بيئة سليمة.
فالتواصل الناجح والفعال يعتمد على التواصل في إتجاهين بين طرفي علاقة تبادلية ملتزمة بهدف التفاعل، فالقاعدة كذلك معنية بعملية التواصل فلا يجب ان نحمل الرئاسة أكثر مما تتحمل ،هناك طبعا نواقص وخصاص من حيث النوع والكم يجب ان نقر بذلك، لكن الإصلاح المنشود لا يأتي في عشية وضحاها بل هناك عملية تراكمية، يجب البناء على ما تحقق لا هدمه بدعوى الإصلاح الجدري، فربما الأرضية غير صالحة لإقامة بناية جديدة فوق الركام بل يتعين تنقية الأجواء حتى تتضح معالم البناء القديم.
عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لتنفسه ” ،في هذا الحديث علاج لكل المشكلات المزمنة في التواصل، فعندما نفقد هذا المبدأ في التواصل يزداد الصراع وسوء الظن ويتعمق الخلاف،بحث تصبح العلاقات شكلية مبدأها الكلام المصطنع والتمثيل ومن الحكمة القول المشهور: “كل شخص يولد على جبهته علامة تقول: من فضلك اجعلني اشعر أني مهم أرجوك اعترف بكياني”.
دور الرئيس في عملية التواصل:
بلا شك يستطيع الرئيس ان يتواصل مع الجميع ويحصل على مكانه ونفوذ وتأثير قوي، فالتواصل الجيد يساعده ليحصل على النتائج التي يرغبها كقائد مؤثر، ومن الحقائق التي لا يجب ان نغفل عليها هي ان قوة الرئيس أو الهيئة تأتي أولا من الداخل ولا ستمد من الآخرين.
فالرئيس يمكنه تطوير علاقته بالقاعدة على استمرار وتنميتها، بل والحفاظ عليها بالحفاظ على القدرة على وضع الأهداف تكون تتسق مع توجهات القاعدة وهذا يظهره بلا شك كشخص حاسم وملتزم.
ثم كذلك قدرته على استثارة العزم وشحذ الهمم نحو الجهود المضاعفة لتحقيق الأهداف المسطرة للهيئة، ويأتي ذلك عن طريق زرع الثقة المتبادلة بينه وبين مكونات المهنة،وهذا يتوقف على قدرة الرئيس على الالتزام بالوضوح والشفافية مع نفسه ومع الزملاء، فالرئيس القوي صاحب الرؤية الثاقبة التي تستشرف المستقبل يقنع الآخرين بها ويضع معهم الخطة الإجرائية المنفذة لها.
ما يجب ان يكون عليه الرئيس ؟
كل رئيس أو مترشح لرئاسة الهيئة يجب ان تكون تتوفر فيه مجموعة من المؤهلات والقدرات من بينها:
– ان يكون قادر على التكييف والتعامل مع المتغيرات وتحويلها إلى فرص إيجابية لتطوير مؤسسة التوثيق العدلي.
– القدرة على دفع العدول غير المواكبين للركب إلى مستويات القمة بوصفه القائد القدوة الذي يدفعهم نحو النجاح.
– تمكنه من آليات إقناع الآخرين خاصة المرافق والمؤسسات العمومية ذات الصلة بالمهنة
– قدرته على وضع رؤية (تواصلية) مستقبلية لأهداف الهيئة قابلة للتنفيذ زمنيا ومكانيا.
– أن يكون صانعا مميزا للقرارات المؤثرة في الهيئة .
ولكي يحقق أي رئيس ذلك يجب أولا ان تكون له القدرة على التواصل الناجح ويعي مفهوم المقولة التالية ” ليس من المهم ما نعرف ولكن المهم من نعرف”،فالقدرة على تطوير علاقات التواصل تعتبر أداة رئيسية تساعد رئيس الهيئة على تحقيق أهداف هذه الأخيرة.
فالرئيس بطيعة الحال لا يستطيع أن يمتلك كل الإجابات الضرورية ليكون ناجحا في عمله بالهيئة، فهو بحاجة إلى جهود العدول جميعا، ودعمهم وبالتالي فهو بحاجة إلى من يحمي ظهره وهو متجه إلى الأمام.
المداخل الأساسية لرد الاعتبار إلى عملية التواصل بين الهيئة والعدول:
من ابرز المداخل التي يجب على كل مسير لشأن المهنة،العمل بها لإعادة عملية التواصل التي انتقدت كثيرا بين الهيئة والقاعدة :
– أولا استعادة الثقة في الهيئة من خلال إطلاق حوار شامل مع العدول للتعبير من وجهات النظر المختلفة، بالموازاة (عقد لقاءات على المستوى الجهوي اما من خلال ندوات ومؤتمرات…)، ومع المتدخلين الآخرين غير العدول في أفق التفكير في عقد مؤتمر وطني.
– ثانيا تبني مبدأ الشفافية والوضوح في اتخاذ القرارات
– ثالثا تبني أهداف البرنامج الانتخابي المسطرة بكليتها وذلك بإتباع خطوات مدروسة ومحددة وليست عشوائية .
– رابعا الانفتاح على الفاعلين المؤسساتيين الآخرين عوض الانكماش الموضعي عبر خلق شركات مع الأشخاص الذاتيين والمعنويين سواء داخل المغرب أو خارجه فمرفق التوثيق له امتداد دولي.
– خامسا الاستعداد للتضحية في سبيل الصالح العام
– سادسا خدمة مرفق التوثيق بما لا يمس بالحقوق والمكتسبات
– سابعا نجاح ذلك رهين بانخراط الجميع في هذه العملية فالكل معني لان الإصلاح يبدأ من الذات.
دور العدول في تكريس التواصل الفعال:
يلعب العدول دورا رئيسا في عملية التواصل باعتبار هذا الأخير يتم بين مرسل ومستقبل، فالرئيس في عمله يحتاج لكي يحقق أهداف الهيئة إلى التوجيه، وكذلك يحتاج إلى أن يفهم العدول معه ويوجهون عملهم لضمان تحقيق الأهداف المسطرة، وكل هذا يحتاج إلى الاتصال والتواصل المستمر بهدف التوجيه والتنظيم والمتابعة والتقويم.
تجدر الإشارة إلى انه يجب أن تكون عملية التواصل واضحة ومعلومة لدى الجميع وعلى مدى مناسب من الوعي الثقافي والمعلوماتي بالأساليب والوعي بالمعوقات المختلفة التي تحول دون تحقيق التواصل الفعال ومسؤولية ذلك تقع على الهيئة التي من أهم واجباتها العمل على خلق المناخ السليم للتواصل الفعال وذلك بوضع سياسة واضحة للاتصال والتواصل.
وفي الأخير يجب على العدول أن يعوا العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في عمل الهيئة، فجودة الأداء في الهيئة تؤدي بالضرورة إلى جودة الخدمة التوثيقية (والعكس صحيح) المأمول تحقيقها خدمة للوطن والمواطن.
دام الشموخ للعدل الموثق.
اضف تعليقا