مشكل البدء..
كلما أمعنا النظر في أمر هذه المهنة لاحظنا بكل ألم أنها تنحدر نحو الإنقراض التدريجي منذ فترة، وكلما تقدم الزمن ولا سيما إذا قارنا جمودها المحزن أو تراجعها المؤسف بالحركة المتفجرة التي يجري بها العالم المتقدم نحو الأمام بسرعة هائلة الأمر الذي أدى إلى زيادة الفجوة التوثيقية بين قطبين أساسيين. وبالتالي إلى ما يلاحظ اليوم بكل وضوح من التعبئة السياسية والإقتصادية والعلمية والثقافيىة التي تزيد من التخلف، وهكذا تعود هذه الدورة القاتقلة إلى تكرار نفسها.
وليس من الضروري أ ن يكون هذا الإنقراض الذي تتعرض له المهنة ماديا أو جسديا بل قد يكون جزؤه الأكبر ذوبانا في المجتمعات الجديدة المسيطرة والمتفوقة.
هذا التحول في اعتقادنا يستدعي منا التعرف على كل الطرق والأساليب القائمة واختيار ما يتناسب مع البيئة الطالبة لهذا التحول، إنه التحول في الأساليب التقليدية المعهود بها إلى نظم الحفظ الإلكترونية، هذه الصيحة التي تم رفع شعارها وهذا الحراك التوثيقي ليست صيحة تموت بمرور الزمن بل أصبح أمرا ضروريا لحل كثير من مشكلات المهنة المعاصرة منها القضاء على الروتين الحكومي التسويفي وتعقد الإجراءات في ضل التوجه الى الحكومات الإلكترونية، وكذلك القضاء على مشكل التكدس – في مفهومه العام – وصعوبة الإسترجاع – ما كان – الأزمة والتطور لا جرم أن المهنة تعيش أزمة حقيقية وتراجعا، في حين الكل يتقدم ويتطور. وما نعتقده أنه يجب أن نبحث في أمر تحرير العدل الموثق أولا ليتمكن من الحركة والتفكير والإبداع وبالتالي التقدم. بيد أننا سنلاحظ أن تحرير العدل الموثق يتطلب النظرفي تحرير عمله. ذلك أن العمل المكبل بأغلال مفروضة عليه من سلطات متعددة ومتنوعة منها سلطة الآخر الحاكم بأمره سواء من الداخل أو من الخارج. أو من سلطة الماضي، أو سلطة المجتمع، بكل ما تحمله من تقاليد وأعراف وعقائد “مجازا” مختلفة ورثها من الفترة المظلمة “منها فترة الثمانينات” بوجه خاص، فالعمل المكبل في نظرنا لا يخلق مهنيا حرا مبدعا، بل دمية تحركها الخيوط المتصلة بتلك السلطات.
إن الرقمنة تمثل جــزءا لا يتجــزأ مــن منظومة التوثيق العدلي. فالتكنولوجيــات الرقميـة يسـرت الانتفـاع بمختلـف مصـادر المعلومـات فـي شـتى أنحـاء العـالم. وهـي تمكن الأفراد والشركات والحكومات والمجتمعـات مـن اسـتغلال مصـادر المعلومـات هذه بسـهولة ، وتتـوافر فـي العـالم اليـوم أسـاليب لإنتـاج المعلومـات عـادة توليفهـا وإعادة تحديد غرضها بطريقـة سـهلة وفـي صـيغة جديـدة قـد تسـهم فـي التنميـة الوطنية وفي تحسين الوضع الإنسـاني. ولا شك أن مهنة التوثيق العدلي ليس بمعزل من كل ما ذكر أعلاه.
ونظرا للأهمية البالغة التي شكلها عالم الرقمنة فــي عصرنا هذا، سواء في إنتاج البيانات والمعرفة أو فـي إعـادة حفـظ الوثـائق والبيانـات القديمة ورقمنة الملفات. فإنه أضحى من اللازم الإنخراط الجدي والفلعلي داخل منظومة الرقمنة. وبالتالي تطور المهنة كما تطورغيرها.
نحن نعتقد أن ما عاشته المهنة من ظلم تشريعي، وتمييز مهني، سببان كافيان للنهوض من القوقعة, وللتطور نحو عالم جديد، عالم الكفاءات، عالم السيطرة الفكرية، عالم الإبداع، عالم التحدي، إن مهنة التوثيق العدلي والحمد لله تزخر بالمبدعين المهنيين، وبمن تجود أناملهم بنظريات توثيقية تسهم في الحد من جمود القاعدة القانونية التوثيقية، إن تطور المهنة في اعتقادنا يتطلب تلاحم مهنيي المهنة ككل وخلق آليات لوجيستيكية من قبيل الإنخراط الكلي في عالم الرقمنة، وهذا لن يتحقق ولن يؤتي أكله إلا بمزيد من الانفتاح على العالم الخارجي، وبمزيد من التكوين والتكوين المستمر، وغور ما هو مطموس من نظريات فقهية في نوادر الكتب وتطويرها وتطويعها.
الخيار الحاسم : النهضة أو السقوط
لقد كان لتداعيات فيروس كورونا ” كوفيد 19 ” المستجد الوقع السبي على مهنة التوثيق العدلي من زوايا متعددة:
– قفل وإغلاق جميع المكاتب ودواوين التوثيق العدلي.
– تعطيل جميع مصالح المواطنين من خلال عدم التلقي والتوثيق.
– تعليق ملفات المواطنين والزبناء الجاهزة قبلا من عمليات التقييد.
– تعليق ملفات الزواج والطلاق الجاهزة إلى إشعار لاحق.
هذه التداعيات جعلت مرفق التوثيق العدلي مشلولا ومعطلا مما تضررت معه مصالح
1 – مصالح المواطنين
2 – مصالح المهنيين
3 – مصالح الدولة
4 – الإقتصاد الوطني
وهذه الآثار السلبية لا أحد منا يدرك مداها مما يعلنا أمام خيارين لا ثالث لهما :
خيار النهضة.
ويمكن أن نسميه خيار الإستيفاق أو خيار الركب، يجعلنا هذا الخيار أن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة. مرحلة السكون ومرحلة الدروشة إلى مرحلة المواكبة والتطور وذلك من خلالنا نحن أيضا ” كمهنيين ” التغلب على هذا الفيروس الخبيث عن بعد من دون أن نعرض لا أنفسنا ولا أهليينا ولا زبناءنا للعدوى لا قدر الله. والعمل إلكترونيا. وهذا المعطى الرقمي أضحى واجبا التعامل به من قبل مهنيي التوثيق العدلي بصفة آنية ومستعجلة باعتباره معطى إداري لا يمت بصلة إلى المقتضيات التشريعية المعقدة ” على الأقل في هذه المرحلة “.
وهذه الآلية لا شك في نظرنا ستبث حياتا ونفسا جديدين في المهنة وممتهنيها والمتعاملين معها.
إن التعامل عن بعد في هذه الظرفية الحرجة والإستثنائية أصبح من ضمن الواجبات الوطنية التي يلزم أن يمكن بها كل عدل موثق،
ولا شك أن هذا الخيار سيكون بداية انطلاق نهضة المهنة. نهضة العدول الموثقين. نهضة نحو تشجيع الإستثمار. نهضة نحو تشجيع الإقتصاد. نهضة نحو حياة أفضل لمستقبل أجمل.
خيار السقوط.
ويمكن أن نسميه خيار الإعدام. خيار الإقبار. ذلكم أنه في اعتقادنا أن المهنة إذا لم تتطور وتتغير وتتبدل قواعدها أيام المحن والشدائد والظروف الإستثنائية ” كما هو الحال ” فإنها لن تتغير أبدا وستقبر لا محالة وستقبع في مستنقع التاريخ الجامد الذي لا يعرف للإجتهاد ولا للتطور مكانا، وسنصبح كأننا في القرن الخامس الهجري هذا القرن الذي عرف تاريخيا بقرن الجمود حتى راج شعار بينهم آنذاك ” ليس في الإمكان أبدع وأفضل مما كان ” وحينئذ سيعيد التاريخ نفسة مرة أخرى ولكن هذه المرة بلا رجعة وبصفة نهائية.
هذه المرحلة المسؤولية فيها مشددة على مسؤولينا تاريخيا، ومهنيا, وأخلاقيا، إن القائمين على شؤون المهنة يتحملون مسؤولية جسيمة في هذه الظرفية وينتظرهم مزيدا من الضغط على جميع الأصعدة بمساعدة القاعدة للوصول إلى بر الأمان، وكل تقاعس أو تهاون أو عدم التفاعل الإيجابي مع متطلبات السادة العدول ستكون لا قدر الله الكارثة المهنية بسقوط الكل.
ماذا ينتظرنا لتعيل آلية الرقمنة المهنية
لتحقيق هذا النموذج المهني التنموي هو العدل التشريعي بمفهومه العام. وهنا تحضرني مقولة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشيدا فيها بالعدل في كتابه لأنس بن الحليس جاء فيها “وأما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد، ولا في شدة ولا رخاء”.
وعليه ومن خلال ما ذكرناه من قبل أعلاه يمكن القول أجمالا أن تفعيل دور الحكامة الرقمية يتطلب ما يلي :
أولا – إعتماد رؤية استراتيجية لتطوير إدارة المهنة.
ثانيا – الرفع من كفاءة الجهاز الإداري لدواوين التوثيق العدلي كآلية لا غنى للعدل عنها.
ثالثا – فتح قنوات اتصال جديدة بين العدل والمواطنين.
رابعا – تنمية استعمال تكنولوجيا المعلوميات والاتصال داخل الإدارة المهنية من خلال دواوين التوثيق العدلي.
خامسا – تعزيز آليات الشراكة بين القطاعين قطاع التوثيق العدلي والقطاع الخاص.
سادسا – إعداد الدراسات الميدانية الخاصة باختيار تكنولوجيا المعلومـيات الملائمة للتسيير الإداري لمهنة التوثيق العدلي ووضع الأهداف والبرامج.
سابعا – توضيح الاختصاصات المهنية للعدل الموثق في مجال التعامل مع الوسائط الالكترونية الحديثة.
ثامنا – ضرورة توفير الظروف والفضاءات الملالئمة للعمل وللرفع من مردودية، واستعمال آليات التحفيز.
تاسعا – تكريس نظرية ” مرفق التوثيق العدلي في خدمة المواطن والمقاولة، وراعي للمرفق العمومي والمصلحة العامة ”
عاشرا – إعادة هيكلة بنيات إدارة مرفق التوثيق العدلي ، أفقيا وعموديا، لتصبح مرافق ناجعة
قادرة على إسناد التطورالمهني والإقتصادي ودعم التنمية البشرية والترابية.
إحدى عشر – تأهيل البحث العلمي في شقه المتعلق بالمهنة وعلاقتها بالرقمنة.
إثنى عشر – تشجيع الطاقات الجديدة من العدول الجدد فوج 2018.
اضف تعليقا