الحمزاوي المهدي – عدل موثق – حاصل على الماستر في القانون العام الداخلي وإنتاج القواعد القانونية

تحتل الملكية العقارية مكانة متميزة في حياة الأمم والشعوب، فالعقار هو أحد مكونات ما يسمى بالإقليم والذي يعد أحد المقومات الأساسية الثلاثة لقيام الدولة حسب أقلام الفقه الدستوري.

والإنسان يرتبط ارتباطا فطريا بالملكية العقارية، فالعقار فهو منبت الخير ومستودع العطاء وهو مصدر عيش الإنسان واستقراره، مصداقا لقوله تعالى “ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون” ، ومن خلال هذه الآية الكريمة وآيات أخرى نصل إلى حقيقة مطلقة مفادها أنه من الأرض انطلق الإنسان وعلى الأرض كان يعيش وإليها يسير، هكذا إذن جاءت فكرة احتساب الأرض من لدن الإنسان كميراث مقدس، فسعى إليها حائزا أو مالكا أو غاصبا، ومع تطور الحياة وتضارب المصالح ازدادت أهمية العقار لدى الإنسان والدولة على حد سواء ، حيث أصبح العقار يلعب دورا محوريا في تحقيق التنمية في شتى تجلياتها، باعتباره الأرضية الأساسية التي تنبني عليها السياسات العمومية للدولة في عدد من المجالات والتي من بينها المجال الفلاحي الذي يعد أبرز روافد تحقيق الأمن الغذائي وخلق فرص الشغل والحد من الهجرة القروية نحو المدن وما تطرحه من مشاكل.
والمغرب له إرث علمي وعملي لايستهان به في مجال العقار وسياسة تدبيره وتنظيم طرق تداول الملكية العقارية مع تقييدها أحيانا بضوابط وقيود قانونية توجه تداول الأملاك العقارية بصفة عامة والأملاك الفلاحية بصفة خاصة نحو خدمة السياسة العامة للدولة، وهو أمر يتماشى حاليا مع منطوق دستور فاتح يوليوز 2011 الذي نص في الفصل 35 منه “يضمن القانون حق الملكية. ويمكن الحد من نطاق ممارستها إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد …”.
ومن بين القيود التي فرضها المغرب على الحق في تملك العقارات نجد تلك القيود المتعلقة بحق الأجانب في تملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الواقعة خارج المدار الحضري، وهاته القيود والضوابط اختلفت درجت صرامتها باختلاف المراحل التي مرت منها المملكة (فترة ما قبل الحماية – فترة الحماية – فترة الاستقلال والفترة الحالية).
ومن المعلوم أن الفترة الحالية تعرف تنافسا بين الدول من أجل جلب الاستثمارات وما ينتج عن ذلك من تغيير لبعض القوانين وتبسيط للمساطر الإدارية، الأمر الذي انعكس على الإطار القانوني المنظم لحق الأجانب في تملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الواقعة خارج المدار الحضري، مع ما نتج عن ذلك من تبسيط للمساطر الإدارية المتعلقة بالرخصة الإدارية “والتي تسمى حاليا بشهادة عدم الصبغة الفلاحية” التي يأذن بموجبها للأجانب بتملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الواقعة خارج المدار الحضري وفق شروط محددة.
ولمعالجة هذا الموضوع سوف نركز على النصوص القانونية والاجتهادات القضائية المرتبطة به، في محاولة للإجابة عن إشكالية مركزية مفادها: كيف أطر التشريع المغربي مسألة الترخيص للأجانب بتملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة؟ وهاته الإشكالية الرئيسية تتفرع بالضرورة عنها إشكاليات فرعية من قبيل ما هي إجراءات وشروط الحصول على هذا النوع من التراخيص؟ وهل هناك من حالات قانونية أو واقعية تعفي الأجانب من ضرورة الحصول على هذا الترخيص؟ وهل هناك من أسباب تمكن الأجنبي من كسب ملكية هذا النوع من العقارات من غير عملية الشراء التي تم ربطها بضرورة الحصول على رخصة إدارية ومن غير عملية الحيازة التي لا يعتد بها قانونا بالنسبة للأجنبي؟ .
وللإجابة عن الإشكاليات المطروحة سنتناول الموضوع من خلال ثلاث محاور كالآتي:

المحور الأول: الإطار التشريعي السابق المنظم لتملك الأجانب للعقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة.
المحور الثاني: المسطرة القانونية الحالية للترخيص للأجانب بتملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة.
المحور الثالث: حالات إعفاء الأجنبي من الترخيص لتملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة.

المحور الأول: التشريعي السابق المنظم لتملك الأجانب للعقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة
بدأت البوادر الأولى للتنظيم القانوني لحق الأجانب في تملك العقارات بالمغرب مع اتفاقية مدريد سنة 1880 حيث جاء في الفصل 11 من هذه الاتفاقية” شراء الأملاك العقارية من الأجانب لا يكون إلا بتقديم إذن من الدولة المغربية، ورسوم هذه الأملاك تدون حسب شريعة البلد، وكذلك جميع النوازل التي تقع فيها، ولهم رفعها للوزارة الخارجية المغربية”. كما جاء في الفص 12 من نفس الاتفاقية” رعية الأجناس والمحميون والسماسرة الذين لهم ملكية أو اكتراء أو فلاحة، عليهم في كل سنة أن يقدموا لقنصلهم تقييدا صحيحا بما لهم ويسلمون ما عليهم من الزكوات والأعشار…”.
ونفس هذا الأمر تم إعادة التأكيد عليه في اتفاقية الجزيرة الخضراء سنة 1906، حيث نص الفصل 60 منها “طبقا للحق الذي اعترف به للأجانب من خلال الفصل 11 من اتفاقية مدريد المبرمة سنة 1880 يمكن للأجانب أن يتملكوا في كل أنحاء المملكة المغربية، وعلى جلالة السلطان أن يعطي لجميع السلطات الإدارية والقضائية التعليمات اللازمة حتى لا ترفض الموافقة على التملك دون سبب مشروع”.
وفي السنوات اللاحقة لهاتين الاتفاقيتين تم إصدار مجموعة من النصوص القانونية والتي كان من بين أهدافها تفعيل عملية تملك الأجانب للعقارات خصوصا الفلاحية منها مع إحاطة ذلك بنوع من الحماية القانونية وبالتالي تسهيل عملية الاستيطان الزراعي بالمغرب، ومن هاته النصوص يمكن الإشارة إلى ظهير 12 غشت 1913 الذي نص على تسجيل العقارات، فأصبح لكل قطعة أرضية سند عقاري يحمل اسما ورقما وتصميما للملكية، وسهل ذلك تسلط الأجانب على الأراضي الفلاحية لجهل المغاربة بالإجراءات القانونية الجديدة .
وسنة 1914 تم إصدار ظهير بشأن تنظيم العدلية الأهلية وتفويت الملكية العقارية ونص في فصله السادس “إن الأجانب لهم الحق في شراء العقار الموجود في سائر الإيالة الشريفة بشرط أن يحوزوا رخصة في ذلك من المخزن الشريف ولا يحرمون من هذه الرخصة إلا بموجب شرعي …”.
ولما كانت إدارة الحماية تسعى إلى الاستحواذ على أقصى ما يمكن من الأراضي لتوزيعها على المستوطنين فقد تم إصدار عدد من النصوص القانونية التي سهلت عملية الاستيطان الزراعي بالمغرب .
لكن مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال بادر إلى إصدار نصوص قانونية تهدف من جهة أولى إلى تقييد الأجانب من تملك العقارات الفلاحية ومن جهة أخرى إلى استرجاع أراضي الاستعمار الفلاحية أو المعدة للفلاحة الواقعة خارج الدوائر الحضرية، هكذا تم سنة 1959 إصدار ظهير شريف يتعلق بإجراء المراقبة على بعض العمليات العقارية المباشرة من طرف بعض الأشخاص والمتعلقة ببعض الأملاك القروية ، وقد نص في فصله الأول على أنه “تتوقف على إذن إداري: جميع الاقتناءات العقارية من طرف غير المغاربة المباشرة بعوض أو دون عوض في الأملاك الفلاحية أو القابلة للفلاحة …”، لكن هذا الظهير تم نسخه سنة 1963 بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.63.288 بشأن مراقبة العمليات العقارية الواجب انجازها من طرف بعض الأشخاص والمتعلقة بالأملاك الفلاحية القروية والذي اشترط في فصله الأول على الأجانب الحصول على رخصة إدارية من أجل إبرام عقود الشراء وكذا عقود الإيجار المتجاوزة مدتها ثلاث سنوات والمتعلقة بالأملاك الفلاحية أو المعدة للفلاحة الواقعة خارج الدوائر الحضرية، ورتب البطلان على العقود التي لا يتم فيها الإدلاء بالرخصة الإدارية المذكورة.
وبمقتضى الفصل الرابع منح لوزير الداخلية الاختصاص بتسليم أو رفض الرخصة المذكورة وذلك بعد موافقة وزيري الفلاحة والمالية.
ومن أجل فرض المزيد من التقييد على عملية تملك الأجانب للعقارات الفلاحية وبالتالي توفير المزيد من الحماية للثروة العقارية الفلاحية خول هذا الظهير لوزير المالية باقتراح من وزير الفلاحة الحق في شفعة الأملاك السابق ذكرها من يد الأجانب.
لكن يبدو أنه في السنوات اللاحقة لسنة إصدار هذا الظهير تم إصدار بعض النصوص التنظيمية والتي أسندت لوزير الفلاحة الاختصاص بتسليم شهادة عدم الصبغة الفلاحية، حيث جاء في أحد الأحكام ” حيث أجاب الوكيل القضائي للمملكة بخصوص ذلك، بأن وزير الفلاحة هو الجهة المختصة بتحديد الصبغة الفلاحية للعقار بناء على الدورية رقم: 63-15 الصادرة على الأمين العام للحكومة، وكذا منشور رئيس الحكومة الصادر بتاريخ: 14-06-1989 تحت رقم:39-د….
وحيث إن إصدار وزير الفلاحة لمقرر بشأن الصبغة غير الفلاحية للملكية موضوع الرسم العقاري رقم 71498، يجد سنده في الدورية عدد: 15-63 الصادرة عن الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 28 أكتوبر 1963، وكذا المنشور رقم: 39-د المؤرخ في: 18 يوليوز 1989 بشأن تنفيذ مقتضيات الرسالة الملكية بتاريخ: 14 يونيو 1989 المتعلقة بالاستثمار، لذلك يبقى القرار المطعون فيه صادرا بكيفية نظامية من حيث الاختصاص. ”
كما تم إصدار منشور تحت عدد566 من طرف وزير العدل بتاريخ 23 يناير 1971 في موضوع ” توقف العمليات العقارية على الرخصة الإدارية” ، والذي كان الهدف منه إعادة تذكير السادة العدول والموثقين بأن يطلبوا من المتعاقدين الرخصة الإدارية كمستند سابق ولازم من أجل توثيق العمليات العقارية المنصوص عليها في ظهير 26 شتنبر 1963 السابق ذكره.
لكن بالتاريخ الموافق ل 23 أبريل 1975 تم إصدار الظهير الشريف المتعلق باقتناء العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة خارج الدوائر الحضرية والذي يبدو أنه أقصى الأجانب بشكل مطلق من تملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة خارج الدوائر الحضرية، حيث نص في فصله الأول “إن اقتناء العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الكائنة كلا أو بعضا خارج الدوائر الحضرية يحتفظ به للأشخاص الذاتيين أو المعنويين المغاربة الآتي بيانهم :
الدولة؛ الجماعات المحلية؛ المؤسسات العمومية؛ الجماعات الجارية عليها مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 27 أبريل 1919 بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تفويت وتسيير الأملاك الجماعية؛ الأشخاص الذاتيون؛
الشركات التعاونية الفلاحية التي يكون أعضاؤها أشخاصا ذاتيين مغاربة فقط وكذا اتحاداتها؛ الأشخاص المعنويون الجاري عليهم القانون الخاص الذين يكون الشركاء أو الأعضاء لديهم أشخاصا ذاتيين مغاربة باستثناء الشركات ذات الأسهم”.
فطبقا لمفهوم المخالفة لهذا الفصل يمكن القول المشرع المغربي منع الأشخاص الطبيعية والمعنوية الأجنبية من اقتناء العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الكائنة كلا أو بعضا خارج الدوائر الحضرية.
لكن نظرا لعدد من المبررات سوف يتم التخفيف من صرامة هاته المقتضيات وتعويضها بمقتضيات حديثة وأكثر تنظيما و وضوحا، وهي التي تنظم حاليا تملك الأجانب للعقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الواقعة خارج الدوائر الحضرية.

المحور الثاني: المسطرة القانونية الحالية للترخيص للأجانب بتملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة
تفعيلا للرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الوزير الأول سنة 2002 في موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار والتي كان من بين أهدافها وضع مجموعة من الإجراءات التي تمكن من إنعاش الاستثمار والنهوض به باعتباره وسيلة فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك وضع إطار قانوني ملزم وكفيل بطمأنة المستثمر، بالإضافة إلى تبسيط المساطر التشريعية والتنظيمية وتقليصها والحرص على أن يتم العمل بها بأكثر ما يمكن من القرب من المستثمرين سواء مغاربة كانوا أو أجانب.
وبهدف التخفيف من حدة مقتضيات ظهير 23 أبريل 1975 المتعلق باقتناء العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة خارج الدوائر الحضرية والذي يفهم منه كما سبق الذكر منع الأجانب من تملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة، تم إصدار المرسوم رقم 2.04.683 المتعلق باللجنة الجهوية المكلفة ببعض العمليات العقارية .
وبموجب المادة الأولى من هذا المرسوم تم إحداث لجنة على المستوى الجهوي تتكلف بالبت في الطلبات المتعلقة ببعض العمليات العقارية، ومن هاته العمليات تلك المتعلقة باقتناء الأجانب للعقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة، حيث عهد لهذه اللجنة ومنح لها اختصاص الإشهاد بعدم الصبغة الفلاحية للأراضي حينما تهم العمليات العقارية المتعلقة بها أشخاص أجانب.
ونفس الأمر أكدته المادة 29 من القانون رقم 47.18 يتعلق بإصلاح المراكز الجهوي للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار عندما نصت على أنه من مهام اللجنة الجهوية البت في طلبات الإشهاد بعدم الصبغة الفلاحية للأراضي المزمع إنجاز مشاريع استثمارية فوقها.
هكذا فقد نصت المادة 8 من المرسوم رقم 2.04.683 السابق ذكره “يكون اقتناء العقارات الفلاحية أو ذات الصبغة الفلاحية الواقعة بشكل كلي أو جزئي خارج المدار الحضري من طرف أشخاص ذاتيين أجانب أو شركات بالأسهم أو شركات يكون مجموع رأسمالها أو جزء منه بيد أشخاص أجانب قصد انجاز مشاريع استثمارية غير فلاحية، رهينا بالحصول على شهادة عدم الصبغة الفلاحية لهذه العقارات حسب الشروط المنصوص عليها أسفله”.
وطبقا للمادة 9 من نفس المرسوم يجب أن يرفق طلب الحصول على شهادة عدم الصبغة الفلاحية المعبأ بشكل صحيح من طرف المعني بالأمر في مطبوع نموذجي، مسلم من المركز الجهوي للاستثمار، بالوثائق التالية:
– وثيقة تثبت العلاقة القانونية بين العقار والمعني بالأمر، وخاصة عقد الوعد بالبيع بين المالك وطالب التصريح؛
– مذكرة عن الجدوى التقنية والاقتصادية للمشروع؛
– إذا تعلق الأمر بشركة، يتكون الملف من النظام الأساسي ونسخة من السجل التجاري وأخرى من محضر آخر اجتماع للجمعية العامة وعند الاقتضاء نسخة من محضر آخر اجتماع للمجلس الإداري؛
– شهادة الملكية بالنسبة للعقارات المحفظة أو في طور التحفيظ أو العقد الأصلي للملكية بالنسبة للعقارات غير المحفظة؛
– تصميم المسح الطوبوغرافي أو تصميم الموقع بإحداثيات لامبير يحدد القطعة الأرضية موضوع الطلب؛
– التزام المستثمر بانجاز المشروع في أجل محدد؛
– كل وثيقة أخرى ضرورية لدراسة الملف.
وبعد توصل المركز الجهوي للاستثمار بالطلب والوثائق المشار إليها أعلاه يحيله على اللجنة الجهوية المكلفة ببعض العمليات العقارية، والتي تتكون من:
– والي الجهة الذي يرأس اللجنة؛
– عامل العمالة أو الإقليم المعني؛
– مدير المركز الجهوي للاستثمار؛
– المدير الإقليمي للفلاحة أو مدير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي؛
– مندوب الأملاك المخزنية،
– المحافظ على الأملاك العقارية؛
– المفتش الجهوي لإعداد التراب الوطني؛
– مدير الوكالة الحضرية أو ممثل السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير، عندما لا تدخل المنطقة المعنية في النفوذ الترابي للوكالة الحضرية؛
– المندوب الجهوي للوزارة المعنية بالمشروع المراد انجازه؛
وعند تعذر حضور أحد أعضاء اللجنة فيمكنه أن ينيب عنه من يمثله ويفوض إليه بشكل قانوني السلط اللازمة التي تمكنه من اتخاذ القرار.
وعند البت في طلبات شواهد عدم الصبغة الفلاحية يجب على اللجنة أن تحترم المبادئ الأساسية المنصوص عليها في المادة 10 من المرسوم السالف ذكره، وهي:
– السهر على المحافظة على الأراضي ذات المؤهلات الفلاحية العالية؛
– التأكد من أن العقار لا يوجد داخل المناطق المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الخاصة، خاصة قطاعات الضم ودوائر الري وبأن العقار لم يتم تسليمه في إطار الإصلاح الزراعي؛
– تقييم الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للمشروع المراد انجازه؛
– تحديد المساحة اللازمة لانجاز المشروع.
وبعد توفر كل ما ذكر تمنح للشخص الأجنبي المعني بالأمر شهادة مؤقتة بعدم الصبغة الفلاحية والتي يقدمها للجهة المعنية التي تشرف على توثيق عقد شراءه –سواء السادة العدول أو غيرهم من الجهات التوثيقية_، وكذلك يقدمها للمحافظة العقارية عند تقييده لعقد الشراء بسجلات المحافظة العقارية إذا تعلق الأمر بعقار محفظ أو عند تقديمه لمطلب التحفيظ إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ، فحسب جواب المحافظ العام على استشارة من المحافظ على الأملاك العقارية بمدينة الراشدية فمطلب التحفيظ المقدم من طرف الشخص الأجنبي والمتعلق بعقار متواجد خارج المدار الحضري يجب تعزيزه برخصة إدارية بالتملك وإلا تعرض للإلغاء في حالة تقاعس طالب التحفيظ عن الإدلاء بهذه الرخصة .
وعند انتهاء المعني بالأمر من انجاز المشروع تمنح له شهادة نهائية بعدم الصبغة الفلاحية بعد معاينة انجاز المشروع.
وطبقا للمادة 12 من المرسوم رقم 2.04.683 السابق ذكره فإن الشهادة المؤقتة أو النهائية بعدم الصبغة الفلاحية تمنح من طرف والي الجهة بعد موافقة اللجنة المذكورة.
واختصاص والي الجهة بمنح الشهادة بعدم الصبغة الفلاحية أكدته بعض الأحكام القضائية، ومنها حكم لابتدائية الدار البيضاء الذي جاء فيه “… وحيث إن شهادة عدم الصبغة الفلاحية المؤسس عليها عقد البيع … هي شهادة شرعية صادرة عن الجهة المخول لها ذلك بعد تعديل مقتضيات ظهير 27/09/1963 بالمرسوم الصادر بتاريخ 29/12/2004 المتعلق بالجنة الجهوية … وبعد دراسة الطلب أصدر والي الجهة شهادة عدم الصبغة الفلاحية … بعد موافقة اللجنة الجهوية … وبالتالي فإن هذه الشهادة تتوفر فيها جميع مقتضيات المشروعية وصادرة عن جهة مختصة قانونا”.

المحور الثالث: حالات إعفاء الأجنبي من الترخيص لتملك العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة
سبقت الإشارة أن تملك الشخص الأجنبي لعقار فلاحي أو قابل للفلاحة رهين بالحصول على شهادة عدم الصبغة الفلاحية التي يسلمها والي الجهة بعد موافقة اللجنة الجهوية المكلفة ببعض العمليات العقارية، لكن لهذه القاعدة بعض الاستثناءات.
ولعل أول استثناء هو إعفاء مواطني بعض الدول بمقتضى اتفاقيات ثنائية من إجبارية استصدار الترخيص بتملك عقارات فلاحية أو قابلة للفلاحة، هكذا جاء في دورية السيد المحافظ العام على الملكية العقارية عدد 340 بتاريخ 16 يونيو 2004 والتي يتعلق موضوعها بتملك الرعايا التونسيين والسنغاليين لعقارات فلاحية أو قابلة للفلاحة خارج المدار الحضري “وبعد يشرفني أن أحيطكم علما أنه بمقتضى رسالة مؤرخة في 26 ماي 1999 تحت عدد … طرح السيد وزير الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري سؤالا على السيد الأمين العام للحكومة حول ما ينبغي اتخاذه من موقف اتجاه اقتناء مواطنة سنغالية لعقار فلاحي خارج المدار الحضري رغما عن مقتضيات ظهير 23 أبريل 1975، ودون الإدلاء بشهادة عدم الصبغة الفلاحية وذلك استنادا فقط على مقتضيات الاتفاقيات المبرمة بين المغرب والسنغال بتاريخ 27 مارس 1964 وخاصة الفصلين 2 و 11 منها،
وبتاريخ 28/07/1999 تحت عدد 3271 رد السيد الأمين العام للحكومة على السؤال المذكور مرفقا جوابه برسالة في الموضوع صادرة عن السيد وزير الخارجية والتعاون بتاريخ 19/07/1999 عدد 1980 تتضمن تفسيرا للاتفاقية المشار إليها فيما يخص اقتناء الأملاك العقارية حيث سمح الفصل 2 منها لرعايا إحدى الدولتين بتأسيس استغلاليات فلاحية بالدولة الأخرى.
ومن جهة أخرى فان الفصل 5 من اتفاقية الاستيطان المبرمة بين المغرب وتونس بتاريخ 09/12/1964 يسمح لرعايا كل دولة بتملك عقارات في تراب الدولة الأخرى شأنهم في ذلك شأن مواطنيها.
ولهذا فإن الرعايا التونسيين والسنغاليين يتمتعون بنفس الحقوق المقررة للرعايا المغاربة فيما يخص اقتناء عقارات خارج المدارات الحضرية وبالتالي يتعين تلقي طلبات التقييد المتعلقة باقتنائهم لعقارات فلاحية أو قابلة للفلاحة موجودة كلا أو جزءا خارج المدار الحضري وكذلك الشركات الخاصة التي يملك فيها أشخاص ذاتيون سنغاليون أو تونسيون 100% من حصصها باستثناء شركات المساهمة…”.
هكذا يتضح أن الرعايا التونسيين والسنغاليين معفيين من شهادة عدم الصبغة الفلاحية.
أما الاستثناء الثاني فيتعلق بحالة الشفعة من طرف الشخص الأجنبي، فعندما يكون شخص أجنبي يملك حصة في عقار فلاحي أو قابل للفلاحة في الشياع مع شخص آخر ويقوم هذا الشخص الآخر ببيع حصته فهنا يمكن للشخص الأجنبي ممارسة حقه في الشفعة دون الحصول على شهادة عدم الصبغة الفلاحية، حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا –محكمة النقض حاليا- “… وحيث إن المشرع لم يشر في ظهير 26 شتنبر 1963 إلى اكتساب الحقوق المشاعة عن طريق الشفعة ولا إلى كيفية وأجل تقديم طلب الرخصة في هذه الحالة فإن هذه العملية يجب اعتبارها غير خاضعة للرخصة الإدارية وبالتالي فان اصبان (المواطن الأجنبي) لم يكن عليه أن يتقدم بأي طلب للحصول عليها وأنه قد مارس بصفة صحيحة حق الشفعة المخول له قانونا” .
وقد خلص القرار إلى المحكمة أساءت تطبيق ظهير 26 شتنبر 1963 المتعلق بمراقبة العمليات العقارية عندما رفضت طلب الشفعة الذي تقدم به شخص غير مغربي الجنسية بدعوى أنه لم يحصل على الرخصة الإدارية بذلك.
كذلك يمكن القول بأنه يحق للمواطن الأجنبي تملك العقارات الفلاحية الواقعة داخل المدار الحضري بدون قيد، لأن المشرع اشترط الحصول على شهادة عدم الصبغة الفلاحية فقط بالنسبة للعقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الواقعة خارج المدار الحضري.
ويمكن القول كذلك أن الأجنبي الذي اكتسب الجنسية المغربية معفى من الشهادة السابق ذكرها، لأنه يصبح في حكم المواطن المغربي، فطبقا للفصلين 16 و 17 من قانون الجنسية المغربية فان الشخص الذي يكتسب الجنسية المغربية يتمتع ابتداء من تاريخ اكتسابها بجميع الحقوق المتعلقة بالصفة المغربية باستثناء الحق في تولي الوظائف العمومية والحق في أن يكون ناخبا أو منتخبا لتولي مهمة نيابية إلا بعد مرور مدة 5 سنوات.

خاتمة
هكذا نخلص إلى أن تملك الأجانب للعقارات الفلاحية أو ذات الصبغة الفلاحية حاليا بهدف انجاز مشاريع استثمارية غير فلاحية يكون رهينا بالحصول على شهادة بعدم الصبغة الفلاحية والتي يسلمها والي الجهة بعد موافقة اللجنة المكلفة ببعض العمليات العقارية طبقا لأحكام المرسوم رقم 2.04.683 الصادر بتاريخ 29 دجنبر 2004 الذي يعتبر الإطار القانوني لمسطرة الترخيص للأجانب بتملك العقارات الفلاحية أو ذات الصبغة الفلاحية.
أما تملك الأجانب لعقارات فلاحية قصد انجاز مشاريع فلاحية فيبدو أنه أمر متعذر حاليا لأن ظهير 23 أبريل 1975 لازال ساري المفعول ولم يتم نسخه، بل فقط تم التخفيف من صرامة مقتضياته بواسطة مرسوم 29 دجنبر 2004 بهدف تبسيط المساطر التشريعية والتنظيمية أمام الاستثمارات الأجنبية.
وهناك استثناءات تعفي أحيانا الأجنبي من ضرورة استصدار شهادة عدم الصبغة الفلاحية أشرنا إليها في المحور الثالث.