وأخيرا ، وبعد طول انتظار وترقب ، جاء الحسم من صاحب الجلالة في أمر ممارسة النساء لمهنة التوثيق العدلي بقراره السامي ، بعدما ظلت المهنة ذكورية بامتياز ، وبعدما كثر الكلام والجدال حول هذا الموضوع ، وكتب حوله الكثير من المقالات والمساهمات بين ما هو نظري وما هو ميداني ، وبين ما هو عملي ، وما هو فكري …إلخ ، من الباحثين والمهتمين ، والعدول أنفسهم ، الذين انقسموا بدورهم بين مؤيد ومتحفظ ، لكنهم باركوا وثمنوا قرار صاحب الجلالة ، الذي ما فتئ وأسلافه الميامين يولون العناية الخاصة والإهتمام لمهنة التوثيق العدلي ، الذي يعتبر ذاكرة كل المغاربة وجزءا من تراثهم وحضارتهم ، منذ دخول الاسلام للمغرب وإلى الآن .

ولعل هذه المهنة وبالرغم من تطورها وحركيتها خلال السنوات الأخيرة ، وتشبيبها أخيرا بأساتذة عدول شباب مؤهلون ضخوا دماءا جديدة في شرايين المهنة ، فإن انخراط الأستاذة العدل بين صفوفها سيزيدها بلا شك انفتاحا وارتقاءا .

ولا يختلف أحد حول كفاءة المرأة وجودة عطائها ومؤهلاتها العلمية والثقافية في كل الميادين ، ما جعل الترسانة القانونية تنصفها بإشراكها في جميع المجالات جنبا إلى جنب مع الرجل ، تفاديا لكل تصور قد ينتقص من مكانتهــــــا وشأنها داخل المجتمع ، وتفعيلا لمبدأ المساواة والتكافؤ بين الجنسين أمام القانون دون إقصاء لأي طرف منهما ، وهو ما أكدته مقتضيات المادة 19 من دستور 2011 ، والمواثيق الدولية ، وبالتالي أصبحت المرأة شريكا أساسيا للرجل في جميع المجالات بدون استثناء .

ولا نختلف بأن القانون المنظم لمهنة العدول 16.03 ولا القانون السابق 11.81 لم يشترطا الذكورة في المترشح لولوج المهنة ، كما أن الهيئة الوطنية للعدول بدورها طالبت بولوج المرأة للمهنة من خلال التوصيات المنبثقة عن أشغال المنتدى العربي للتوثيق بمدينة مراكش بتاريخ : 1718 ماي 2013 .

ولعله يغيب عنا أحيانا مبدأ المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء بأنه ليس حديث عهد بل جاء بمجيئ الإسلام الحنيف وأكدتها مبادؤه السمحة الحنيفية .

ولعل هذا المكسب الذي انتزعته المرأة انتزاعا في ولوجها لمهنة التوثيق العدلي كان ضمن مطالب الحركات النسائية بالمغرب ، ونتيجة لتكثيف هذه المطالب التي نتج عنها أيضا انخراط المرأة المغربية في المجال السياسي ، وتمثيليتهـــا القوية وبشكل إيجابي في المجـــــــــالس المنتخبة مركزيـــــــــا ومحليا ، وتمكنت على إثره من

الحضور في الإنتخابات التشريعية بنسبة : 10,08 % سنة 2002 وبنسبة 16 % سنة

2007 ، واستمرت النسبة في التزايد الملحوظ ، بفضل مؤهلاتهــــــــــا والثقة التي تتمتع بها ، وتم القضاء بصفة رسمية على الهيمنة الذكورية التي يفترض أنها عرقلة لتواجد المرأة في مراكز القرار .

نستنتج من خلال هذه المعطيات أحقية المرأة المغربية في ولوج مهنة التوثيق العدلي وفي الإشراف على توثيق العقود العدلية ، بالرغم من كثرة الكلام حول هذا الموضوع كما أشرنا إليه ســـــــابقا ، إلا أنه يجب احترام توجهات الفقهاء في موضوع الشهــــــادة والإشهاد ، حيث أن شهادة النساء لا تقبل إلا في ميادين خاصة ، أشار إليها علماء المالكية الذين قبلوا شهادتها في المال وما يؤول إلى المال فقط .

واختلف كذلك في شهادتها هل تصح مع الرجل ، أو منفردات ، وفي العدد ، هل يشترط في قبول الشهادة العدد أم لا – رجل وامرأتان – إلى غير ذلك من الخلافات والإجتهادات التي لم يحصل بشأنها إجماع أو توافق .

كما أن فقهاء المذهب المالكي خاصة لم يفرقوا في شهادة المرأة بين أن تكون شهادتها مكتوبة في عقد مع أدائها ، وبين أن تكون مؤداة ، بلسانها أمام القضاء ، ولم يفرقوا بين أن تكون المرأة منتصبة للإشهاد ، وبين أن تكون غير ذلك  وجاءت بعض مواقفهم مختلفة في هذا الباب .

وعلى كل حال ففسح المجال للمرأة المغربية لولوج مؤسسة التوثيق العدلي والممارسة الفعلية لهذه المهنة بناءا على قرار صاحب الجلالة حفظه الله ، وهو توجه منطقي وسليم ، يأتي في إطار تحديث المهنة وتطويرها ومواكبتها لكل التطلعات والإنتظارات ، ومواكبة للعصر ، ومسايرة لتحديات المستقبل ، ومن شأنه كذلك أن يكون إنصافا جوهريا للمرأة ، سيما وأن مهنة التوثيق العدلي تعتبر من المهن القضائية التي تمثل رمزا حضاريا أساسيا بالبلاد ، وينسجم كذلك والإنخراط الصريح والصحيح في الميثاق الوطني والإجتماعي الرائد في المناصفة والمساواة وتكريم المرأة الذي دعا إليه جلالته ، تجسيدا لإرادته حفظه الله في العناية بالمرأة والسمو بمكانتها داخل المجتمع .

إلا أنه وحتى يتهيأ حسن استقبال هذا الضيف الجديد لا بد من استحضار الإشكالات والعوائق التي ما تزال تكبل حرية المنتسبين للمهنة ، وتقيد نشاطهم المهني ، وتعطل المردودية والعطاء، والتي يمكن تلخيصها في ضرورة التعجيل بإخراج مشروع تعديل القانون 16.03 للوجود بما يتلاءم ومطالب الهيئة ، وتفهم وزارة العدل لاقتراحاتنا المشروعة التي تقدمنا بها في إطار إعداد مسودة هذا المشروع ، حيث أن هذا القانون أثبت عجزه وعدم مسايرته للطموحات والتطلعات وآمال السادة العدول ، في دولة الحق والقانون .

 ونرى بأنه من المنطق ألا يعلن عن مباراة ولوج مهنة التوثيق العدلي التي أعلنت عنها وزارة العدل أخيرا إلا بعد إخراج مشروع تعديل قانون المهنة من رفوف الوزارة وإحالته على قنوات التشريع أولا ، حتى يكون استقبال الوافد الجديد كما ذكرنا ، في مهامه الجديدة استقبالا راقيا يليق بالمناسبة .