عرفت التركيبة التي تشمل عليها مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية في الدستور الجديد، تحولا بارزا وهادفا سواء على مستوى الشق المعين بمقتضى الدستور، حيث ادخل عليه بناء مختلطا يضم إلى الجانب القضائي، شخصيات من خارج السلك القضائي، أو على مستوى الشق المنتخب المتعلق بتمثيل قضاة المحاكم عن طريق الانتخاب، بالرفع العددي من المقاعد وتخصيص النساء القاضيات، بقوة القانون، بمقاعد تتناسب نسبة تواجدهن في القضاء.

وتمهيدا لقراءة تحليلية في هذه التحولات الجديدة التي عرفتها بنية تأليف هذه المؤسسة الدستورية، نرى من المفيد الإشارة إلى أن موضوع هذه المؤسسة استمر نقاش عميق حوله داخل أوساط القضاء والعدل. وبصفة لافتة في أوساط الجمعيات الحقوقية الوازنة. ليأخذ موقعا بارزا ضمن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.

كان المجلس الأعلى للقضاء في ظل الدستور السابق مشكلا من أعضاء كلهم قضاة – باستثناء وزير العدل-أصبح المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتشكل بمقتضى الفصل 115 من الدستور الجديد وفق الشكل التالي: 

أولا : الرئيس 
يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتألف هذا المجلس من الرئيس الأول المحكمة النقض، رئيسا منتدبا، وبهذا يكون الدستور قد وضع حدا للنقاش الدائر كون وزير العدل يعتبر نائبا للرئيس في الدساتير السابقة حيث كان محل نفذ خصوصا أن وزير العدل هو من كان يترأس بشكل فعلي دورات المجلس الأعلى للقضاء، إذ يمزج بين عضويته في الحكومة ورأسته للمجلس الأعلى للقضاء.

وهكذا فان الفصل 56 و 115 اعتبر الملك هو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دون أن يحدد نائبا له، الأمر الذي يجعل الملك الرئيس الفعلي، إلى جانب الرئيس الأول لمحكمة النقض كرئيسا منتدبا.

ثانيا: قضاة منتخبون وغير منتخبون
إذا كان المجلس يترأسه الملك الممثل الأسمى للأمة، فان الرئيس الأول لمحكمة النقض يعتبر رئيسا منتدبا، حيث يتولى أمر الرئاسة نيابة عن الملك، بالإضافة إلى:

الوكيل العام للملك بمحكمة النقض.
رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض.

مع تمثيلية القضاة المتكونة من أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم، وستة ممثلين لقضاة محاكة أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة، ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي.

إن ترشح القضاة بالمحاكم وفق روح الدستور لا تخضع لمعايير محددة أقدمية أو غيرها، بل ارتأى المشرع الاتجاه الديمقراطي، حيث يتم انتخاب هؤلاء من طرف القضاة. لكن القانون التنظيمي نصت المادة 27 منه، أن يكون المرشح للعضوية في المجلس كل قاض تتوفر فيه الشروط التالية :

أن يكون ناخبا في الهيئة التي يترشح عنها ؛ 
ألا تقل مدة أقدميته في السلك القضائي عن سبع سنوات تحتسب من تاريخ ترسيمه.
أن يكون مزاولا لمهامه فعليا بإحدى محاكم الاستئناف أو محاكم أول درجة؛ 
ألا تكون قد صدرت في حقه عقوبة تأديبية ما لم يرد اعتباره ؛ 
ألا يوجد في رخصة مرض متوسطة أو طويلة الأمد.

وعلى اعتبار أن قضاة محاكم أول درجة تمثل نسبة كبيرة فقد خصها الدستور بتمثيلية أكبر، بست ممثلين، أما محاكم الاستئناف فقد خصها بأربعة ممثلين، هذا مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تمثيلية النساء القاضيان بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي.

ثالثا: الوسيط 
الوسيط يعين بظهير شريف لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة كوسيط توكل له المهام بقانون، ويختار من بين الشخصيات الشهود لها بالنزاهة والكفاءة والتجرد والتشبث بسيادة القانون وبمبادئ العدل والإنصاف، وعهد إليه بممارسة الاختصاصات المسندة لمؤسسة الوسيط، كما أنه عضوا بقوة القانون بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبالتالي فحضوره ضمن جسم المجلس الأعلى للسلطة القضائية إضافة نوعية في سبيل استقلال السلطة القضائية.

رابعا: رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان

مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة دستورية نص عليها الفصل 116 من الدستور الذي عرفها كالتالي: 

” المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا أو جماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال ” 

واختيار رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نظرا للطابع الحمائي الذي يناط بهذه المؤسسة، من حيث الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، علما أن رئيسها يختار من بين الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والكفاءة.

خامسا: خمس شخصيات يعينها الملك
يعين الملك شخصيا خمس أعضاء في المجلس الأعلى للقضاء، مشهود لهم بالكفاءة والتجرد والنزاهة، والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.

ويلاحظ من مقتضيات الفصل 115 أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية عرف تزايدا من حيث عدد أعضائه من ثلاثة عشر عضوا في السابق إلىعشرون عضوا في الدستور الجديد، كما انه عرف انفتاح على محيطه الخارجي.

ومن أهم مستجدات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إبعاد وزير العدل من تشكيلته مع إدراج بعض الأعضاء الخارجين عن السلك القضائي سلك القضاء (7 أعضاء) ضمن مكونات المجلس الجديد، الأمر الذي أثار حقيبة الودادية الحسنية للقضاة، والتي وجهت انتقادا حادا مع قيامها بحملات بهذا الخصوص إبان إعداد المشروع المنظم للمجس، وذلك محاولة منها لتعبئة القضاة من اجل المطالبة باستبعاد أي جهة خارجة عن سلك القضاء، باعتبار العضوية بهذه المؤسسة شأنا داخليا، ولا يجوز التدخل فيه احتراما لمبدأ فصل السلطات. 

ومن الواضح أن اعتماد التنويع في تشكيلة المجلس الجديد وعدم الاقتصار على القضاة، يأتي من منطلق أساسي هو أن تدبير الشأن القضائي في الوقت الراهن أضحى شأنا مجتمعي، يضفى طابع الشفافية والوضوح على أشغاله، والمساهمة في خلق تصور جماعي مشترك حول ما يجب أن يكون عليه واقع العدالة بالمغرب.

وعلى ضوء ذلك، أن الشروط والمواصفات التي حددها الفصل116 في الشخصيات من خارج السلك القضائي، المؤهلة لهذه العضوية، كانت من الدقة والحرص بمكان، لتلافي أي تهديد لاستقلال القضاء، فالموقع المؤسساتي للوسيط، والمبادئ والقيم التي تقوم عليها مهمته الأصيلة، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تكفل بالافتراض الجازم، توفره على قيم التجرد والنزاهة واستقلال القضاء، وهي نفس الشروط والقيم المفترض، بالتأكيد، توفرها في عضو المجلس العلمي الأعلى وبقية الأعضاء الأربعة من أصل سبعة.

إذا كان الدستور قد اعتمد آلية الانتخاب والتعيين، فان النظم المقارنة السائدة في ديمقراطيات دول الاتحاد الأوروبي، مثلا فرنسا المجلس الأعلى للقضاء يضم هو بدوره في عضويته شخصيات من خارج الجهاز القضائي في المادة 64 بموجب المراجعة الدستورية لسنة 2008، في ست شخصيات، غير أن البرلمان هو الذي يعين أربعة منهم، اثنان يعينهما رئيس الجمعية الوطنية، واثنان يعينهما رئيس مجلس الشيوخ، فضلا عن اثنان يعينهما رئيس الجمهورية الفرنسية. لكن تعيين أعضاء من داخل البرلمان عن طريق الانتخاب، غالبا ما يؤول لصالح أعضاء ينتمون للأغلبية البرلمانية التابعة للحكومة، يحملون معهم ثقافة الصراعات المعتادة بين الأغلبية، والمعارضة بإسقاطاتها السياسية التي قد تؤثر في توجيه مداولات المجلس وقراراته.

وباستقراء تجارب مختلف الدول الديمقراطية نجد أن الاتجاه الغالب في الوقت الراهن يميل إلى الأخذ بفكرة التنوع، ويظهر أن النماذج الأكثر تقدما هي تلك التي يتم فيها المزج بين مكونات الجسم القضائي والمجتمع المدني، والتي تتمتع بصلاحيات واسعة، كافية لتعزيز استقلال القضاء ومساءلته ومواجهة الفساد القضائي، كما هو الأمر بالنسبة للعديد من الدول الأوربية. 

وعلى ما يبدو أن المشرع الدستوري أحسن صنعا حينما أدرج ضمن تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية شخصيات بارزة في المجتمع، التي من شأنها خلق توازن في موقف المجلس مستقبلا، لأن الاختصار في التشكيلة على أعضاء الجسم القضائي كما كان ينادي به البعض، سيؤدي إلى احترام قرار القاضي الأعلى درجة، وهو ضرب في استقلال السلطة القضائية في محيطها الداخلي.

كما نلاحظ أن الدستور لم يعطي لرئيس الحكومة إمكانية اقتراح أي شخصية، والشيء نفسه بالنسبة للبرلمان بمجلسيه، لأن الأمر يتعلق بالسلطة القضائية المفروض فيها الحياد والاستقلال وعدم الانتماء، لأن أي اقتراح سياسي من رئيس الحكومة والبرلمان، من شأنه أن يثير اللبس والتشكيك في حياد المجلس.

ولقد حدد القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية مدة ولاية المجلس في خمس سنوات٬ تبتدئ من شهر يناير الموالي لإجراء الانتخابات، كما حدد مدة عضوية القضاة المنتخبين في خمس سنوات غير قابلة للتجديد، أما مدة عضوية الشخصيات التي يعينها الملك حددت في أربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة. 

في إطار الحرص على تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لا سيما المادة 54 منه، فقد تم التوقيع على قرار مشترك بين السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد وزير العدل، أحدثت بموجبه “الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والوزارة المكلفة بالعدل” وذلك بمقر محكمة النقض بالرباط، على أن تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، بين المجلس، من جهة، والوزارة المكلفة بالعدل، من جهة ثانية، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية.

وقد حدد هذا القرار المشترك تأليف واختصاصات هذه الهيئة، حيث نص على أنها تتألف علاوة على السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد الوزير المكلف بالعدل؛

 عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية من السادة: الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، وعضو من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمفتش العام للشؤون القضائية، ورؤساء الأقطاب به، والمدير العام للمعهد العالي للقضاء؛

 وعن الوزارة المكلفة بالعدل من السادة: الكاتب العام، والمفتش العام، والمدراء بالإدارة المركزية.

وقد عهد إلى هذه الهيئة المشتركة، على الخصوص، دراسة برامج نجاعة أداء المحاكم، وتحديد أهداف كل منها، ومؤشرات قياسه، وكذا دراسة الحاجيات الضرورية لعمل المحاكم، بالإضافة إلى الاطلاع على مختلف البيانات والمعطيات والإحصائيات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة، والوقوف على مؤشرات الأداء وتحليلها، وتحديد مكامن الضعف والخلل، واقتراح الحلول الناجعة لها، وتلقي الملاحظات والاقتراحات من المسؤولين القضائيين والإداريين حول سير الإدارة القضائية بشكل عام أو حول مسألة محددة، ليتم دراستها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، كل في مجال اختصاصه، والتنسيق في مجال تكوين القضاة في موضوع الإدارة القضائية، إلى جانب دراسة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية والمناشير التي تتعلق بالإدارة القضائية، وتقديم التوصيات والمقترحات بشأنها، والتنسيق في مجال مراقبة المهن القضائية.

وفيا يخص سير الهيئة المشتركة، فقد نص القرار على عقدها لدورتين في السنة، خلال شهر يناير وشهر يوليوز، مع إمكانية عقدها لاجتماعات أخرى كلما دعت الضرورة إلى ذلك، بطلب إما من السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أو من السيد الوزير المكلف بالعدل، على أن يرفعا إلى صاحب الجلالة تقريرا سنويا مشتركا يتضمن نشاط هذه الهيئة وحصيلة أشغالها.