يعتبر توثيق المعاملات المختلفة بين الناس، عنصرا ضروريا وحيويا لبناء المجتمع اقتصاديا وضمان استقراره اجتماعيا، لذلك نشأ مع تور الحضارة وتشعب مجالات الحياة.
والتوثيق العدلي بالمغرب، له تاريخ عريق ممتد الجذور عبر القرون منذ دخول الإسلام، حيث قام خلالها بأدوار متعددة، فبالإضافة إلى توثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على أعراض الناس، وأنسابهم، كان له ولا يزال له دور فعال في توثيق بيعة الملوك والسلاطين المغاربة، كما يشكل دعامة أساسية للمنظومة القضائية من حيث تحضير وسائل الإثبات التي تمكن القضاء من فض النزاعات، والفصل في الخصومات ناهيك عن دوره في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية، وبذلك يسهم في تحقيق العدالة والوقائية والأمن التعاقدي حسب الورقة المؤطرة للمنتدى العربي للتوثيق.
ومن أجل ذلك حظي التوثيق العدلي بعناية كبيرة ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي، وأولاه الفقهاء اهتماما كبيرا، خاصة فقهاء المغرب من أجل ذلك حظي التوثيق العدلي بعناية كبيرة، ومكانة رفيعة في الفقه الإسلامي، وأولاه الفقهاء اهتماما كبيرا، خاصة فقهاء المغرب والأندلس، حيث جعلوه مهنة شريفة، كما امتهنته كثير من أكابر العلماء والفقهاء والقضاة والمفتين وغيرهم، وأولاه ملوك الأمة وأمراؤها اهتماما خاصا واعتبارا متميزا ولاسيما ملوك الدولة العلوية الشريفة الذين فتئوا يصدرون ظهائر شريفة ومراسيم جليلة لتضمينه، راسمين له قواعد شرعية وضوابط مرعية. وفي هذا الإطار جاءت الوثيقة الدستورية والمقاربة التشاركية التي تأسست من خلال ورش إصلاح منظومة العدالة ببلادنا تحت رعاية الملك محمد السادس للرقي بالمهن القضائية وضمنها مهنة التوثيق العدلي، لتتلاءم مع المستجدات الوطنية والإقليمية والدولية، من أجل التحديث والعصرنة والإدماج في النسيج التنموي ببلادنا ضمانا للحكامة الجيدة-حسب ذات الوثيقة-.
وتتأكد عملية إصلاح التوثيق العدلي مع هبوب رياح العولمة والحداثة، مما يفرض ضرورة إعمال الاجتهاد الشرعي في مختلف القضايا المرتبطة بها لتتناسب وتطورات العصر، بما يضمن الحفاظ على المقاصد الشرعية وأسس الهوية المغربية ومقوماتها، وفي هذا السياق يأتي المنتدى العربي للتوثيق لتعزيز هذه الدينامية وفلسفة الشراكة العربية لتقوية أواصر التعاون في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية وتبادل الخبرات والتجارب التوثيقية، فماذا عن أنظمة التوثيق في الدول العربية؟
ذ. عبد السلام آيت سعيد، عدل موثق باحث في قضايا التوثيق بالمغرب:
«مهنة العدول»، أحد الركائز الواجب الأخذ بها في هذا الورش الكبير، لأنها مهنة شريفة، هدفها الأساسي توثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم، وتحضير وسائل الإثبات التي تمكن القضاء من فض النزاعات و الفصل في الخصومات، بالإضافة إلى المساهمة في التنمية العقارية والاقتصادية والاجتماعية، وقد كان لها تاريخيا وحضاريا دور فعال فيما يتعلق بتوثيق بيعة الملوك و السلاطين في التاريخ السياسي المغربي.
ونظرا لأهمية خطة العدالة والوثيق العدلي ومن أجل عدالة توثيقية منصفة، يجب العمل على تحديث وإصلاح الإطار القانوني المنظم لخطة العدالة، على اعتبار أن هذا الإصلاح جزء لا يتجزأ واختيار استراتيجي لا محيد عنه لبناء دولة المؤسسة القوية بسيادة القانون وعدالة القضاء.
المشرع المغربي اعتمد في إصلاح مهنة التوثيق العدلي على آلية القانون فقط اعتقادا منه أنها كافية لهذا الغرض، إلا أن هذه الآلية يلاحظ أنها لم تصل إلى عمق الإصلاحات لمعالجة المعوقات القانونية والمؤسساتية التي بقيت تلقي بظلالها إلى اليوم على هذا التوثيق.
الإكراهات القانونية التي يتخبط فيها القطاع تتمثل في غياب رؤية استراتيجية والعمق في الإصلاح والاكتفاء بإصدار مجموعة من النصوص والمواد التي يطبعها البعد التقني المتمثل أساسا في الصيغ والشكليات سواء المتعلقة منها بتلقي الشهادات وتحريرها أو بالهيئة الوطنية للعدول وأجهزتها.
القانون جاء في قالب قانوني حديث ولكن بقيت مقتضياته الجوهرية تاريخانية وتقليدية، لا تستجيب لطموحات وانتظارات السادة العدول وكل الأطراف والشركاء المستثمرين، غياب مقتضى الوجوب و الإلزام بخصوص الإجراءات القبلية والبعدية للمحررات العدلية المتعلقة بالمعاملات العقارية، وتغييب هذا المقتضى يدفع المتعاقدين إلى التساؤل عن مصداقية الوثيقة العدلية… وبالرغم مما يحمله من مقتضيات جديدة فهو يتسم بالعديد من الثغرات والمعاييب، الشيئ الذي يتطلب إعادة النظر فيه جملة وتفصيلا، وبالتالي فالرهانات الأساسية-بحسبه- في المرحلة القادمة ستكون من دون شك في ما مدى مصداقية شعار «الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد»، وأجرأة هذا الشعار يتطلب الجرأة السياسية والصلاحية التنفيذية و القناعة المبدئية حكما وتشريعا.
**
بسلطنة عمان، تستغرق معاملة العدول من ربع ساعة إلى عشرين دقيقة
فايز مبارك المسكري، القائم بأعمال مدير دائرة شؤون الكتاب بالعدل سلطانة عمان
التجربة العمانية لدى كتاب العدل، ضاربة في عرض التاريخ، فهي قديمة- حديثة، تطورت إلى أن وصلت في العهد الحديث مع السلطان قابوس بن سعيد الذي أرسى هذا النظام العدلي والتوثيقي إلى أن تطور عام 2003 بصدور قانون العدل، استقل بموجب هذا القانون كاتب العدل، عن المحاكم فأصبح له إدارة خاصة وقانون خاص ينظم عمله من حيث استقبال المعاملة وتنتهي بالاعتماد من طرف كاتب العدل، فهي مستقلة عن المحاكم استقلالا نائيا إلى في بعض الحالات التي حددها القانون في حالة رفعها إلى المحكمة المختصة.
وفيما يتعلق باختصاصات كاتب العدل، فتتمثل في تحرير العقود والوثائق التي يختص بتوثيقها والمصادقة عليها، ويختص أيضا بعقود الطلاق والزواج، وبعقود التوثيق، ويكون الاعتماد من قبله في الشق النهائي.
وتستغرق المعاملة من ربع ساعة إلى عشرين دقيقة، وهذا مخالف لما يحدث ببعض الدول الأخرى التي تستغرق ثلاث أو أربعة أيام، ويعود سبب ذلك إلى أن اعتماد الوثيقة يكون من قبل كاتب العدل واحد ويكون في الوثيقة شاهدين فقط، وذلك بقوة القانون الذي أصدر بمرسوم سامي من لدن صاحب الجلالة السلطان قابوس.
وبالتالي فتحرير المحرر يعتمده كاتب العدل، ويصير ساري المفعول مباشرة بعد اعتماده من طرفه، فيما كلفت جهات أخرى ببعض الاختصاصات الأخرى، لكنها محدودة ويتعلق الأمر بالعقود المتعلقة ب»البيوع» أي العقارات، وللأسف لازالت بعض العقود المتعلقة بالعقارات لدى وزارة الإسكان بعمان، واحتمال أن تكون مستقبلا بيد كاتب العدل.
ويشترط في تعيين كاتب العدل أن يحمل شهادة باكلوريوس في الشريعة أو القانون، وألا يكون قد صدرت ضده أحكاما تأديبية أو ماسة بالذمة، ولو رد إليه اعتباره، وأن يؤدي القسم أمام وزير العدل أو من يفوضه، أما المرأة العدل فلازالت لم تدخل في هذا المجال القانون كما هو الشأن بباقي الدول.
ونضن أن تجربة سلطنة عمان متطورة في مجال «العدل»، خاصة وأنه صار يعتمد على جهاز للتتبث من بصمات المعنيين، فكاتب العدل يتوفر على الجهاز بتنسيق مع الأحوال المدنية بسلطنة
**
بتونس، العدول رفضوا في يوم ما الانتقال لتوثيق الأراضي لفائدة المستعمرين
ذ. طارق جلاسي، ممثل الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد بتونس:
إن علم التوثيق من أجل العلوم وأسماها وأكثرها فضلا ومنفعة باعتباره ينظم العلاقات ويثبت الحقوق ويعد التوثيق بالكتابة من أقوى طرق الإثبات تأمين وأمان ومن وسائل زرع الثقة بين المتعاقدين وتحقيق الأمن التعاقدي وكان لا بد من وجود شخص كفئ وأمين الاضطلاع بهذه المهمّة فالمعنى الدلالي لكلمة وَثَّقَ اتصل بمعاني أساسية و هي الأمانة، وَثق و الإحكام و اللّزوم في الأمر و العهد فهي المقدمات الأساسية التي تنبني عليها عملية التوثيق باعتبار الوثيقة عهدا بين المتعاقدين يقتضي من كاتبي الوثيقة الأحكام و الأمانة و يلتزم جميع الأطراف بما يريد فيها.
و تعتبر مهنة التوثيق وعدالة الإشهاد من أقدم المهن وقد عرفتها الحضارات القديمة وفي آشور و بلاد فارس وغيرها ثم عرفها الرّومان كما تعرض لها القرآن الكريم في الآية 282 من سورة البقرة و نظم طريقة التعاقد و آية الإشهاد و أكّد وجود التوثيق و التحرير بواسطة كاتب العدل في المعاملات خاصة القروض و الرهون، و الشهادة عند المسلمين تستند في مشروعيتها على القرآن الكريم و السنة النبوية و قد اعتمد عليها في الاثبات في مرّ العصور الإسلامية قال تعالى:»يا أيّها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه و ليكتب بينكم كاتب بالعدل و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب و ليملل الذي عليه الحق و ليتق الله ربه و لا يبخس منه شيئا…»صدق الله العظيم.
تشترك التجربة التونسية والتجربة المغربية في مجال التوثيق العدلي في العمق التاريخي، من حيث المرجعية الإسلامية، بحيث أن العدل هو موثق لهذه الحقوق، ويشتركان من حيث التاريخ، التجربتين قاومتا الاستعمار خلال فترة الحماية.
العدول رفضوا في يوم ما الانتقال لتوثيق الأراضي لفائدة المستعمرين، في تونس وجدوا الحل في منح هذه المسؤوليات لمن يعرف الكتابة والقراءة، ويمكنه نقل الملكية من التونسيين إلى الفرنسيين.
وفي المغرب وجدوا الحل في جلب الموثق الفرنسي كمفهوم حديث سنة 1925 على اعتبار أن العدول بالمغرب رفضوا أيضا نقل ملكية الأراضي إلى المستعمرين الفرنسيين فجاء المستعمر بفكرة التوثيق العصري.
وتواصلت المسيرة بالبلدين، إلى حين حصولهما على الاستقلال، بدأ الصراع، في المغرب مع الموثق العصري لكنه لم يكن صراعا معلنا، الصراع كان بين الموثق العصري بمفهوم اليوم، والموثق العدلي بالمفهوم القديم، الذي تطبعه الصبغة الشرعية الدينية بعد أن اقتصر دوره على توثيق عقود الزواج والطلاق.
نفس المفهوم الذي بدأ يتواصل في تونس التي عرفت تجربة فريدة بعد الاستقلال 1956 حين بادر رئيس الجمهورية آنذاك، المرحوم لحبيب بوركيبة، بخلق تجربة فريدة، جاءت في إطار صراعه السياسي مع الزيتونيين خريجي جامعة الزيتونة، وأصبحوا خصما شديدا له، وكان أغلبهم عدول، وفي سنة 1957 سن أول قانون قبل إعداد الدستور التونسي، من خلق مؤسسة جديدة هي مؤسسة عدل التنفيد وهي معروفة بتنفيد الأحكام، وأعطاها نفس مهام عدل الإشهاد.
عدل الإشهاد، الذي كانت له مركز وحضوة اجتماعية باعتباره رجل دين، ويحفظ الأمانة، أصبح مكروها اجتماعيا، كل هذا لقسم ظهرعدل الإشهاد، وهي المؤسسة التي تبنتها بعد مدة أوربا، فتم إقصاء العدل التونسي من المشهد، وصار للموثق الأوربي مكانة كبيرة بل صارت مقرراته ذات صبغة تنفيدة بقوة القانون.
وبالتالي فبوركيبة ضرب في العمق عدل الإشهاد التونسي في إطار إقصائه من المشهد الاقتصادي و السياسي، ولأنه كان محاميا بدأ يدخل المحامين لمزاحمة عدل الإشهاد فبقي عدل الإشهاد مكبلا بقيود، بحيث لا يحرر عقد الإشهاد منفردا، يجب حضور عدل ثاني، وهو إشكال كبير بمعنى يجب أن يكون زميلي متفرغا أو أن أتقاسم معه نفس المكتب، في حين أن القاضي هنالك في تونس ينتصب في جلسته منفردا وينفد أحكاما منفردا وهذا معفى منه عدل الإشهاد بدون سبب.
بعد ذلك تم تمرير مرسوم آخر برتبة قانون يعطي جميع الصلاحيات التوثيق للمحامي، لكننا سارعنا بوضع قانون أساسي للمفاوضة تقدمنا فيه كثيرا وافقونا على إلغاء تحرير الثنائي للعقود تم إلغاء أسالبي العمل البالية (دفتر وكناش وكتابة بخط اليد..).
**
بمصر، موثق العدل موظف حكومي يتقاضا 200 يورو
ذ. وليد فهمي، رئيس اتحاد موثقي مصر
موثق العدل بمصر موظف عمومي يتقاضى مرتبه من الدولة، أما شروط تعيينه فهي مطابقة تقريبا بالموثق العصري، فهو موظف حكومي يتقاضى
200 يورو في الشهر كحد أقصى.
التجربة المصرية متطورة إلى حد ما مقارنة مع باقي التجارب العربية، وهي تختلف بين فترتين، فترة ما قبل سنة 1946 وما بعدها، قبل تلك الفترة، كان هناك ثلاثة محاكم: محاكم مختلطة ومحاكم شرعية ومحاكم مختلطة، وكان يقوم بأعمال التوثيق حينها القضاة.
كان هناك تضارب وفي 1946ألغيت ثلاث محاكم واختزلها في محكمة وطنية واحدة، وتم إنشاء الشهر العقاري والتوثيق في نفس السنة، التي كانت الجهة الحكومية الحصرية لتوثيق العقود بكافة أنواعها، إذن أصبح الموثق العصري مكلف بتوثيق وتسجيل كافة العقود أيا كانت، حتى عقود الزواج باستثناء زواج وطلاق المصريين المسلمين السنة فيختص بها المأذون الشرعي، زواج الأجانب الموثق العام المصري مع أجنبي يختص بها الموثق العام..
بالنسبة للتوثيق والتسجيل في مصر هي مصلحة حكومية تابعة لوزارة العدل مكونة من إدارات عمومية، أما أهم ما يميز الموثق المصري، كونه موظف حكومي يحميه القانون كموظف عام، وعمله ذو طبيعة قضائية بحثة، فهي صورة طبق الأصل لعمل قاضي العقود المدنية، ومطابقة لعمل عضو الهيئة القضائية، ويعتبر خبيرا في القضايا العقارية والتوثيق أمام المحاكم.
وفي سنة 2009 أعلنت المهنة استقلالها الكامل إداريا وقانونيا وماليا وفنيا عن وزارة العدل، وتم تحويل مصلحة الشهر العقاري من مصلحة مستقلة إلى جهة كاملة.
وإيمانا من الإتحاد بأهمية التوثيق والتسجيل في تطوير منظومة العدالة، وتحقيق الأمن القانوني والتعاقدي في إطار بما يعرف حديثا الآن بالقضاء البديل، أو القضاء الوقائي الاختياري، نعتبر المنتدى العربي للتوثيق فرصة لإثارة انتباه المؤسسات الرسمية والاقتصادية والرأي العام لأهمية التوثيق والتسجيل العقاري.
المقال منقول
اضف تعليقا