فقد طالعت مشروع القانون الذي تعده وزارة العدل والحريات والخاص بالتوثيق العدلي وقد صدمت أيما صدمة حين وقفت على بعض مواده .. خاصة المادة 21 مكرر 6 ( في مسودة مديرية الشؤون المدنية ..) والمادة 21 مكرر 5 (في مسودة اللجنة ..) فوجدتها تقَعِد لبعض موانع للإشهاد ما أنزل الله من سلطان، ضاربة عرض الحائط كافة المطالب برفع التحجير الواقع على العدول في عملهم .. فألفيتها توسعت وتفننت في سرد موانع إشهاد العدل الموثق على الأقارب والأصهار وغيرهم ..
وبعيدا عن التوسع في وصف المادة المذكورة وتوصيفها، أدع لكم فرصة قراءتها بتمعن لتتأملوا ما فيها .
إن غاية هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو بسط تصورات للآثار المتوقعة لهذا التوسع المجحف في تلكم الموانع لتعلموا الخطر القادم في عمل السادة العدول الموثقين .
1- إن كثيرا من السادة العدول الموثقين يزاولون مهامهم بالقرى والقبائل التي ينتسبون إليها، ولا يخفى أن الركنين الأساسيين في نشأة القبيلة وتكوينها (في بلدنا وفي العالم أجمع) هما العائلة الكبيرة والمصاهرات ..
فتخيلوا معي عدلا موثقا ناضل طويلا لينتقل إلى بلدته حيث أهله وعشيرته ليفاجأ بهذا القانون الجديد وهذه المادة العجيبة التي ترتفع عن الواقع وتسد عليه بشكل شبه كلي أسباب رزقه .. بل وتسد الباب حتى على العدل أو العدول شركائه في المكتب
2- في المكتب الجماعي ببعض المناطق (والذي يضم جميع عدول تلك المنطقة) ..المتعاقد الذي هو احد أقرباء أو أصهار واحد من عدول ذلك المكتب سيكونون جميعهم ممنوعين من الإشهاد عليه ..بل العدل نفسه إن أراد وطلب توثيق عقد يخصه (أي إبرام معاملة معينة كالبيع أو الشراء أو الزواج …) ..فسيكون لزاما عليه الانتقال إلى بلدة بعيدة ليقوم بذلك …فتخيلوا هاته الطامة وتخيلوا المتعاقد حاملا لأوراق ملفه ومتنقلا إلى مدينة أو منطقة أخرى تبعد بعشرات الكيلومترات هو وباقي المتعاقدين أو شهود اللفيف …هذا إن سمح له القانون (من حيث الاختصاص المكاني في التوثيق) بالسفر والإشهاد لدى عدول منطقة أخرى .
فمثلا إن فُعل هذا المقترح الغريب فسيكون لزاما على جميع أقارب وأصهار عدول مدينة اجتمع عدولها الموثقون في مكتب جماعي موحد إذا أرادوا توثيق عقود زواجهم السفر إلى مدينة أخرى ..فأين هي المصلحة التوثيقية المزعوم مراعاتها؟ وأين هو التطبيق لمبدا تقريب الإدارة والمرافق العمومية من المواطنين ؟؟
3- في اللفيفيات لا يزيد دور العدل الموثق عن الكتابة فقط وتدوين ما صرح به الشهود ..فما موقع هذا المنع هنا والحال أنه كاتب فقط لما صرح به الغير وليس بشاهد (بل إن بعض شهود اللفيف قد يكونون بدورهم أقرباء وأصهار لطالب الشهادة …فكيف نجيز الشاهد ونمنع الكاتب؟؟؟)
4- إن العدل الموثق يكتب ويشهد على مسؤوليته الشخصية سواء كان المشهود له قريبا أو صهرا أو من الأغيار ..فمتى ثبت تواطؤ منه أو شهادة زور او محاباة ظالمة ..فالعدل الموثق مسؤول ومعاقب على ذلك في كل الحالات المذكورة
زيادة على ذلك فانه في عصرنا الحاضر كثير من الشهادات والعقود تكون مبنية على رخص وأذون وأحكام ووثائق رسمية وإدارية تضيق المجال عن العدل عن أي محاباة أو تحوير لإرادة المتعاقدين حتى لو افترضنا رغبته في ذلك
5- حين تفعيل التلقي الفردي فسيمكن آنئذ للعدل الموثق تلقي الشهادات في غياب شريكه أو شركائه في المكتب .. فأنى له أن يعلم بوجود قرابة أو مصاهرة بين شريكه أو شركائه وبين المتعاقدين (خاصة إن كانوا من غير أصول أو فر وع أو أزواج شركائه في المكتب) فهل سيترك الشهادة ويقوم ببحث تفصيلي وتحقيق مع المتعاقدين حول شجرة أنسابهم ومصاهراتهم … ” مالكم كيف تحكمون ” ؟
6- بهذا المقترح الغريب، أغلب الشهادات العلمية للعدول ستنقرض كون مستند علم العدل الشاهد فيها مبنيا في الغالب على القرابة والمصاهرة مع المشهود لهم ..فهل سنهدم تراثا فقهيا متوارثا بكامله من أجل هذا الإصلاح المزعوم .
7- إن هذا التعميم في المنع سيوقع السادة العدول الموثقين في مشاكل كثيرة مع محيطهم العائلي ومع أصهارهم …حيث سيتهمون بالتهرب من الشهادة دون مبرر حقيقي (في حين أن القانون هو الذي منع)
8- إن هذا التعميم في المنع سيكون فقط في صالح العدول الذين ليسوا من أهل المنطقة التي يزاولون فيها مهامهم ن في حين سيظل العدل ” صاحب الدار” مقيدا وأحيانا في حزازات وشنآن مع أهليه وأقربائه )
9- إن هذا التعميم في المنع سيفتح الباب أمام إنكار كثير من العدول أية علاقة لهم بالمشهود عليهم ،وكثير منهم سيحررون تلك العقود والشهادات وهي مخالفة للقانون (إن تم تفعيل هذه المادة على حالتها تلك) كما سيفتح ذلك الباب لإبطال كثير من تلك العقود ..وهو ما يتنافى مع مبدا وغاية استقرار المعاملات وصون الحقوق
10- قوانينكم هذه تتضمن كثيرا من الالتزامات كوجوب التأمين عن الأضرار.. ووجوب تجهيز لائق للمكاتب العدلية، زد على ذلك ما ينتظر العدول الموثقين من إلزامية الانخراط في صناديق الضمان الاجتماعي … وكلها تكاليف مادية زائدة تقابل بهذا المشروع الذي يضيق على العدول في مهنتهم وأرزاقهم..
فالمفروض إن زادت الالتزامات أن يزاد في الصلاحيات والمهام لا العكس..
11- إن أغلب موانع الشهادة المتعلقة بالقرابة المسطرة في تراثنا الفقهي أحسبها (والله أعلم ) متعلقة بالشهود من العوام وليس الشهود العدول الموثقين القائمين بشهاداتهم العالمين بضوابطها ومآلاتها وفقهها، والمسؤولين عما فيها مسؤولية عظيمة، والمهددُ الظالمُ فيها والمحابي بعقوبات مغلظة رادعة تعادل عقوبات جرائم القتل .. بل وأحيانا تفوقها .
الاقتراح البديل :
يحتفظ بالفقرة الأولى فقط من المادة المذكورة مع حذف عبارة ” غير مباشرة ” المبهمة والفضفاضة
هكذا ” يمنع على العدل الموثق أن يتلقى عقدا أو شهادة إذا كانت له أو لزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة في العقد أو الشهادة” .
اضف تعليقا