في وقت تعالت فيه الأصوات المطالبة بإصلاح منظومة العدالة، وفتحت فيه اوراش الإصلاح على أكثر من صعيد،وجد العدول أنفسهم في منأى عن أي استهداف بالإصلاح المنشود الذي يحمي مصالحهم، ويرقى بواقعهم، بل أريد لهم البقاء في نفس الجبة التقليدية التي تجاوزها الزمن ،وظل العدول في واقع مزري إن لم نقل في واقع يزداد استفحالا وازدراء.
وإذا كان العدل في مخيلة العامة مرتبط على الدوام بذلك الشخص التقليدي النمطي يتلقى شهادات الزواج والطلاق والاراثاث وغيرها من الشهادات، فإن هذه العامة نفسها تنظر بعين أخرى نحو مهنيين اكثر عصرنة وباتت تؤمن أنهم الأولى بتوثيق معاملاتهم العالية القيمة، وكرس المشرع لدى العامة فرقا شاسعا بين العدول كعدول وبين الآخرين كمهنيين عصريين ، ولا يخفى على أحد ما للصورة التي يسوقها المشرع ومعه الإعلام – كقوة لها تأثير – عن مهنيين معينين من أهمية لدى المواطن.
ولعل صمت مهنيي العدالة -العدول – ومسايرتهم الأجهزة الحكومية والتشريعية في ما تسعى إليه من ابقاءهم على حالهم، مايشجع أكثر على تعريض العدول لمزيد من التهميش والإقصاء، وبالتالي إلى تكريس نظرة دونية لدى المواطن الى هذه الفئة من مهنيي التوثيق.
صحيح أن مطالب عدة خطت على ورق،وبحت من أجلها حناجر،وكلها مطالب جد عادية ومشروعة، غير أن الإكتفاء بمجرد مطالب لاتواكبها خطوات نضالية جدية وجادة، لايمكن إلا أن يبقى الحال على ما هو عليه وإلى زمن غير معلوم خاصة في ظل ضعف المكتب التنفيذي والمجالس الجهوية.
إن واقع مهنة العدول يفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في كل مايحيطه من إشكالات، ومعالجة هذه الإشكالات بما يضمن إستمرارية هذه المهنة الأزلية التي لايمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها لأي سبب من الاسباب، ولايمكن معالجة هذه الإشكاليات – من منطلق وجهة نظرنا الخاصة – إلا من خلال دراسة النقط والمطالب التي ساتي على الخوض فيها.
اولا: معلوم أن للتسمية دلالات مهمة في كل مجال من المجالات ، وإذا كان العدل هو الاسم الأصل فإن تغيرات الواقع تستدعي إعادة النظر في هذه التسمية وذلك بإضافة صفة التوثيق ليكون ” العدل الموثق ” بدلا من ” العدل” هكذا، بحيث أن الوظيفة المسندة إليه هي تلقي وتوثيق الشهادات والعقود مثله في ذلك مثل باقي المهنيين.
وإذا كان وزير العدل قد رضخ لضغوطات بعض المهنيين، وأصدر منشورا لايرقى إلى قانون ، يؤكد فيه على ضرورة تقيد العدل بصفته هذه، ومنعه من إضافة “موثق” لصفته لعلة أن هذه الصفة مخولة فقط للموثقين، فإن هذا المنشور اجحف حقا في حق السادة العدول ، ولم تفهم دواعي نزوله ما دام العدول يمارسون بقوة القانون مهمة التوثيق بجميع معانيها ، والعدول من خلال إضافتهم هذه الصفة لصفتهم الأصلية لم يعرضوا مصالح أي طرف للضرر، ومااثاره الموثقون من زوبعة بشأن هذه التسمية ليس سوى محاولة منهم لاذلال السادة العدول.
ثانيا: أذا كان الموثق يخول له القانون مهمة تلقي وتوثيق المعاملات بشكل فردي، فإن العدول لما راكموه من تجربة، وما ابانوا عنه من مهنية عالية، ومن أمانة وجدية في أداء مهامهم، أولى بأن يحرروا من إشكالية التلقي الازدواجي ، فلا يعقل أن يكون عدول اليوم بما يحملونه من خبرات ومن كفاءات علمية عالية، ملزمين بالرد يف أو الجليس في تلقي الشهادات وخاصة فيما يرتبط بالمعاملات المالية، فالعدل أجدر من غيره بتلقي الشهادات من العامة بشكل فردي دونما حاجة للثناءية في التلقي والاشهاد، وإذا كانت الحداثة والعصرنة تفرض ذاتها في مختلف مناحي الحياة العامة، فهي تفرض نفسها أيضا في واقع العدول ، ويجب التعامل مع هولاء المهنيين بنفس منطق التعامل مع غيرهم، خاصة وأن ماكان عليه ممتهنوا المهنة من قبل لم يعد عليه حال عدول اليوم الذين تحصل اغلبيتهم شواهد عليا ، واكتسبوا معارف ومدارك علمية اهلتهم لأداء مهامهم بجدارة واستحقاق وبشكل معصرن .
وبالتالي ، وجب اليوم أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في إلزامية الثنائية في توثيق جميع العقود والالتزامات، وإذا كان الأمر في الزواج وبعض الشهادات يوجب هذه الثنائية فإن ذلك لايسري على توثيق مختلف المعاملات المالية.
ثالثا: إذا كان وزير العدل في إحدى مداخلاته السابقة قد حرص على استبعاد تمكين العدول من حق تسلم الودائع بعلة أن ذلك يشكل حصانة للعدول، فإن هذا الحرص كان لو شمل جميع مهن التوثيق وغيرها من المهن القضائية و الشبه القضائية ، ومن وجهة نظري ، فمسالة تلقي الودائع تعتبر مسألة مهمة في ضمان حسن سير المعاملات بين العموم وضمان الأمن التعاقدي بصفة عامة ، خاصة وأن بعض المعاملات تكون مرتبطة بإجراءات مختلفة، واذا تمكن أحد طرفي المعاملة من تسلم مقابل تلك المعاملة ذاتها قبل انتهاء جميع الإجراءات من شأنه أن يلحق ضررا بحقوق من دفع ذلك المقابل، وبالتالي لايمكن حسم الأمر إلا من خلال تمكين السادة العدول من حق تلقي الودائع، مع استحداث صندوق خاص على غرار ماتعرفه مهنة المحاماة.

*الاستاذ الحافظ الزاوي
عدل باستئنافية أكادير
……….يتبع