مقدمة:
تحتل الملكية العقارية مكانة هامة في جميع المجتمعات، نظرا للدور الحيوي الذي تؤديه في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ولذلك تدخلت جل التشريعات على حمايتها وصونها من كل تعد أو ترامي عليها دون وجه حق، لدرجة أن تم السمو بها، واعتبارها من الحقوق المقدسة التي لا يجوز المساس بها إلا وفقا للقانون( )
غير أنه ونظرا للوظيفة الاجتماعية التي أصبحت تقوم عليها الملكية العقارية فقد سمحت بعد التشريعات بنزعها متى استوجبت المنفعة العامة ذلك.
وفي هذا السياق نص الفصل 35 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011 على أنه ” يضمن القانون حق الملكية
ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون
… .
وقد نظم المشرع المغربي مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة بموجب القانون رقم 7.81 بمثابة قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت ( )، والذي صدر بالموازاة معه مرسومه التطبيقي بتاريخ 16 أبريل 1983( ).
ويترتب على سلوك الإدارة نازعة الملكية لمسطرة نزع الملكية مجموعة من الآثار في حق المنزوع ملكيتهم أبرزها ترتيب ارتفاق على الأراضي موضوع نزع الملكية تستوجب غل يد الملاك عن التصرف فيها لردح من الزمن، فما هي الآثار المترتبة عن هذا الارتفاق ؟ وما هو أثر ذلك على التصرفات الواقعة على العقارات موضوع نزع الملكية؟
يترتب على نشر المرسوم المعلن للمنفعة العامة في الجريدة الرسمية(الجزء الأول) ارتفاق على الأراضي الداخلة في نطاق مرسوم المنفعة العامة، وحدد المشرع أجل هذا الارتفاق وفقا لمقتضيات الفصل 15 من القانون رقم 7.81 في سنتين تبتدئ من نشر المقرر القاضي بالمنفعة العامة في الجريدة الرسمية، وبموجبه يُمنع على ملاك الأراضي المشمولين بنزع الملكية القيام بأي عمل مادي (البناء أو الغرس أو إدخال تحسينات)على تلك الأراضي إلا بعد الحصول على موافقة صريحة بذلك من الجهة نازعة الملكية، ويسري الالتزام بعينه – أي الارتفاق- بحق مالك العقار المبين أيضا في مقرر التخلي( ) طبقا للفصل 16 من نفس القانون، في الحالة التي لا يكون فيها المقرر المعلن للمنفعة العامة قد حدد العقارات اللازمة لتحقيق المنفعة العامة المرجوة.
وينعكس أثر الحصول على موافقة نازع الملكية في إجراء تحسينات بالعقار موضوع مقرر إعلان المنفعة العامة أو مقرر التخلي، أو في إقامة أو إحداث أغراس فيه، على قدر التعويض، بحيث يدخل في عناصر هذا التعويض ما يترتب عن هذه الأعمال من زيادة في قيمة العقار المنزوعة ملكيته( ).
ومن جهة أخرى فقد حصر المشرع المنع في الأعمال المادية، ولم يشر بعدها بتاتا إلى حكم التصرفات القانونية التي يجريها مالك العقار في عقاره أثناء جريان مسطرة نزع الملكية، أي منذ الإعلان عن المنفعة العامة في الجريدة الرسمية؟.
الإجابة عن هذا التساؤل تضعنا أمام خيارين( ):
الخيار الأول : اعتبار المنع منصرف أيضا إلى التصرفات القانونية على اعتبار أن الضرر المترتب عن الثانية أشد وطأة من الضرر المترتب عن الأولى، فإذا برر المنع بوجود الضرر الأخف، فالأولى أن يبرر بوجود الضرر الأشد.
الخيار الثاني: بما أن المشرع أوجب على المالك وذوي الحقوق بموجب الفصل 11 التعريف بأنفسهم وبما لهم من حقوق ولو كانت حقوقا شخصية للإدارة نازعة الملكية خلال فترة البحث الإداري، ورتب على إخلال المالك وذوي الحقوق بهذا الالتزام بقائه المدين الوحيد لهؤلاء بالتعويضات التي قد تستحق أصلا لهم في العقار؛ فإنه لا يمكن الاحتجاج بالتصرفات القانونية غير المصرح بها أثناء عملية البحث الإداري في مواجهة الإدارة نازعة الملكية.
والرأي فيما أعتقد أن منع المشرع الملاك المنزوعة ملكيتهم لإمكانية التصرف المادي في الملك موضوع نزع الملكية؛ فإنه بمفهوم المخالفة لا إشكال من منع المالك من التصرف القانوني فيه بالبيع مثلا .
ونستند في تبني هذا الرأي لقرار لمحكمة النقض قضى بأن تقييد مشروع نزع الملكية في الرسم العقاري في حد ذاته ليس من شأنه أن ينقل الملكية من صاحبها المسجل في الرسم العقاري إلى السلطة العازمة على القيام بنزع الملكية، كما أنه لا يمنع المالك المسجل بالرسم العقاري من بيعه إن شاء( ).
غير أن المشترين في هذه الحالة تتحول حقوقهم إلى حقوق في التعويض على الملك أو الأملاك المنزوعة لكونها مشمولة بنزع الملكية بداية، وذلك لأنه بمجرد إيداع الحكم القاضي بنقل الملكية في المحافظة على الأملاك العقارية يترتب عليه من تاريخ الإيداع المذكور تخليص العقارات المعنية من جميع الحقوق والتحملات التي قد تكون مثقلة بها طبقا للفصل 37 من قانون نزع الملكية وتتحول حقوقهم إلى حقوق في التعويضات بالإضافة إلى أن العمل القضائي مستقر على تكييف دعوى نزع الملكية على كونها دعوى عينية توجه بالأساس للعقار لا لشخص بذاته
وإذا كان أجل السنتين المحدد كأجل للارتفاق لا يطرح أي إشكال، إذا ما تعلق الأمر بمرسوم يقضي بالمنفعة العامة محددة فيه الأملاك المشمولة بنزع الملكية؛ فإن الإشكال يثار في حالة عدم تحديد تلك الأملاك إلا بموجب مقرر التخلي؟، ووجه الإشكال يكمن في تحديد الوقت الذي يبتدئ فيه سريان أجل السنتين بخصوص الأراضي موضوع مقرر التخلي؟.
يجيب البعض( )على ذلك بالتأكيد على سريان أجل سنتين جديد ابتداء من نشر مشروع مقرر التخلي بالجريدة الرسمية، بشرط أن تكون الأراضي موضوع مقرر التخلي ضمن المنطقة المحددة بالمقرر المعلن للمنفعة العامة، وإذا أخذنا بهذا الطرح فذلك يعني أن الأجل الأقصى لسريان المنفعة العامة يمكن أن يصل إلى أربع سنوات( ) .
وبخلاف أجل الارتفاق المقرر في القانون رقم7.81 نجد المشرع في الفصل 28 من قانون التعمير حدد أجل سريان آثار تصميم التهيئة في 10 سنوات تبتدئ من تاريخ نشر تصميم التهيئة في الجريدة الرسمية ( ).
ونفس الشيء قرره المشرع فيما يتعلق بقرارات تخطيط حدود الطرق العامة طبقا للفصل 34 من نفس القانون، غير أن هذا الأجل يقتصر على سنتين فقط فيما يتعلق بقرارات تخطيط الطرق العامة المعينة فيها الأراضي المراد نزع ملكيتها لما تستوجبه العملية.
خاتمة:
صفوة القول، يكمن القول بـأنه لا وجود من مانع قانوني يفيد عدم إمكانية إجراء تصرفات قانونية دون التصرفات المادية على العقارات موضوع نزع الملكية، غير أنه يتعين على الجهة المحررة لتلك التصرفات الإشارة إلى الوضعية القانونية لتلك العقارات وإشعار المشتري بذلك والإشارة إلى قبوله بذلك.
اضف تعليقا