يضطلع نظام التوثيق العدلي بالمغرب بدور رئيسي في حفظ الأعراض والأنساب والأموال، وإثبات الحقوق وضبط المعاملات وتهييء الحجج لمؤسسة القضاء ومساعدته في البت في النزاعات المثارة بين الأطراف، تحقيقا وترسيخا لقيم العدالة وتثبيتا للأمن التعاقدي.
لكن هذا النظام بالرغم من الإصلاحات التي واكبت نشوءه إلا أنه مازال محتاجا إلى عملية تثوير داخلي تشريعا وتخليقا وتكوينا، ولن يتأتى ذلك للسادة العدول الموثقين إلا بتمكنهم واستيعابهم للأنظمة القانونية التي يشتغلون في إطارها وخلعهم لجلباب التقليد الجامد، وخلق إرادة التحديث في العنصر البشري العدلي التي تدفعه إلى الانتقال من طور التقليد إلى طور التحديث بكل أبعاده وتجلياته، لكن يظل هذا الانتقال رهينا بمدى فعالية هذا النظام واستقلاليته عن مؤسسة قاضي التوثيق ومؤسسة النساخة، والحقيقة أن ذلك لن يتأتى إلا بالعزم الأكيد والراسخ على استكمال تنفيذ المشروع الإصلاحي لمنظومة العدالة والأهداف المسطرة اعتمادا على التوصية رقم 169 من ميثاق إصلاح منظومة العدالة والمقتضيات التي يتضمنها الدستور والقوانين الموازية لقانون 16.03، وكذا التوصيات التي أفرزتها لقاءات الهيئة الوطنية والمجالس الجهوية التابعة لها فضلا عن المرجعية الحقوقية، والتوجيهات الملكية.
في ظل الحراك المهني الذي تغلي ساحته في الآونة الأخيرة وستغلي بسبب غياب رؤية وتصور واضحين لمهنة التوثيق العدلي وهو ما يمكن أن يجعلها في مهب الريح بشكل يجعلها غير قادرة على الصمود أمام زحف مهن أخرى، ولذلك تواصل الهيئات المنتخبة المتمثلة في المجالس الجهوية عقد لقاءات محلية ووطنية للوقوف على الاختلالات الواردة في قانون 16.03 التي كرست قيودا على العدول الموثقين في ممارستهم المهنية إضافة الى التبعية المطلقة لمؤسسة قاضي التوثيق، مرورا بالريع التشريعي الذي يبديه المشرع في كثير من التشريعات، فضلا عن إعادة النظر في المشهد العدلي مرفقا وذاتا لخلق التحديث فيهما والتجسير بينهما طبقا لما تقتضيه مبادئ الحكامة الجيدة ومبدأ الديمقراطية التشاركية.
ونحن إذ نتساءل عن أهم محاور إصلاح منظومة العدالة ينتابنا شك حول إصلاح مهنة التوثيق العدلي كرافد من أهم روافد القضاء ببلادنا، وذلك بالرغم من الخدمات التي كانت وما تزال تسديها هذه المؤسسة للقضاء، خاصة في مجال تخفيف العبء عن المحاكم عن طريق توقي حدوث النزاع وتوفير جو من السلم القانوني بشكل يحفظ التوازن الاقتصادي والاجتماعي والأسري لأفراد المجتمع، ولعل أهم سؤال ينبغي الإجابة عليه في هذا الملتقى الوطني هو: إلى أي حد استطاعت مسودة مشروع قانون 16.03 مواكبة الظرفية الحالية التي يعيشها المغرب واستيعابها للمستجدات التي تفرزها المؤسسة التشريعية في إطار استقلالية المؤسسات ورفع الوصاية عنها أيا كان مصدرها إضافة إلى زحف عالم الرقمنة الذي يكتسح كل الميادين اقتصاديا وماليا وإداريا وقضائيا، وكذا تراجع الدولة عن تدبير الشأن العام لصالح المؤسسات المنتخبة وفعاليات المجتمع المدني والهيئات المهنية جهويا ومحليا؟
وفي هذا السياق يأتي هذا الملتقى الوطني تحت عنوان “مسار التوثيق العدلي بين مطالب التجديد وأسئلة المرحلة” ليرصد أهم المشاكل التي يتخبط فيها قطاع التوثيق العدلي ببلادنا بدءا من القانون الذي ينبغي أن يستجيب لمطالب العدول ضمن مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح مهنة التوثيق العدلي، وأن يجيب كذلك عن أسئلة المرحلة وطرح الحلول الكفيلة الهادفة إلى دعم استقلال التوثيق العدلي، وتخليقه وعصرنته وتحقيق فعاليته ونجاعته، وتحديث المكاتب العدلية وجعلها مرفقا عموميا عصريا يكون في خدمة المتعاقدين ويساهم في تثبيت الأمن القانوني والتعاقدي أملا في تحفيز الاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والقيام بدوره المحوري كقاطرة للتنمية التي يسهر عليها صاحب الجلالة أيده الله بنصره.

دعوة المجلس الجهوي لعدول استئنافية الرباط للجمعية المغربية للعدول الشباب