#مقتطف من بحث الدكتور يونس الزهري

من بين أهم الإشكالات العملية التي تتفرع عن إعمال حق التتبع هي مدى جواز التصرف في العقار المرهون، أي هل يحق لمالك العقار المرهـون أن يتصرف فيه بنقل ملكيته إلى الغير؟ كما أنه من جهة ثانية فإنه يتبين من الاطلاع على مجموعة من عقود القرض أن الدائن عادة ما يدرج بمناسبة منحه لقرض مضمون برهن رسمي شرطا يمنع بمقتضاه المدين الراهن من التصرف في العقار المرهون بالبيع أو الرهن أو إدارته عن طريق إكرائه للغير، مما يطرح معه التساؤل حول مدى جواز الشرط العقدي المانع للتصرف في العقار المرهون؟

فبالنسبة للتساؤل الأول، فإننا نعتقد أن المدين المرتهن يجوز له التصرف في المال المرهون، وأن هذا التصرف يقع صحيحا ونافذا من الناحية القانونية، ولا يمكن التصريح ببطلانه لمجرد شبهة صورية التصرف بهدف حرمان الدائن من التنفيذ على المال المرهون، ومؤيدنا في ذلك أربعة اعتبارات نجملها في النقط التالية:

أ – القاعدة في المعاملات العقدية أن البطلان لا يمكن تقريره إلا بنص،وبالتالي فإنه في غياب أي نص قانوني يرتب جزاء البطلان على تفويت العقار المرهون، فإنه يجب إعمال المبدأ القائل بأن الأصل في التصرفات الجواز، وعليه فإن إنشاء المدين لرهن رسمي على عقاره المحفظ لا يحول دون قيام حقه في إجراء التصرفات عليه أو إنشاء أي حق عيني آخر يخضع لقواعد التقييد في المحافظة العقارية .

ب- وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما يذهب إليه البعض من أن مناط جعل هذه التصرفات باطلة وعديمة الأثر هو حماية الدائنين المرتهنين من التصرفات التي يبرمها المدين الراهن بقصد الإضرار بهم وحرمانهم من الضمانات التشريعية المنظمة لعقد الرهن الرسمي فإنه تبرير غير سليم، على اعتبار أن الرهن يخول صاحبه حق التتبع، فتفويت العقار لا يحرم الدائن من التنفيذ عليه، ذلك أن حق التتبع هو ميزة تظهر عند التنفيذ على المرهون على نحو يجوز معه للدائن التنفيذ عليه بين من آلت إليه ملكيته، ويجد مبدأ تتبع الدائن على للعقار المرهون سنده التشريعي ضمن مقتضيات المادة 199 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي :

” للدائن المرتهن رهنا رسميا حق تتبع الملك المرهون في يد أي حائز له لاستيفاء دينه عند حلول أجل الوفاء به “.

ج-إن المشرع نظم في الفصل 185 إلى 196من ظهير 2 يونيه 1915 مسطرة التنفيذ بين يدي الحائز، ويقصد بهذا الأخير في لغة الضمانات العينية الشخص الذي انتقل إليه العقار المرهون، فلو لم يكن من الجائز تفويت المرهون لما نظم المشرع التنفيذ ضد الحائز.

د-إن حق الراهن في التصرف في العقار المرهون قد كفلته القوانين المقارنة، من ذلك مثلا المادة 1043 من القانون المدني المصري التي جاء فيها: ” يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون، وأي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن.

و بناء على ما ذكر نخلص إلى أن مدونة الحقوق العينية أجازت التصرف في العقار المرهون لفائدة الغير ، و ويسمى هذا الغير في لغة الضمانات العينية بالحائز ، و يشترط فيه ألا يكون ملتزما بصفة شخصية بالدين ، ويترتب على هذا التصرف ثبوت مسؤوليته العينية عن الدين المضمون بالرهن ، و هي مسؤولية هي محدودة في ثمن العقار المرهون دون أن تتجاوزه إلى أمواله الأخرى، كما أنه يمكن لهذا الأخير أن يدرأ عنه التنفيذ على عقاره المثقل بالرهن إذا أدى مبلغ الدين ، و في المقابل لا تثبت المسؤولية الشخصية للحائز عن الدين إلا بوجود اتفاق خاص على ذلك أو في حالة تسببه في تعييب المرهون أو هلاكه وكذا عن الثمار بعد توصله بإنذار رسمي .

وهذه الاعتبارات كلها بينتها محكمة الاستئناف بمراكش، التي جاء في أحد قراراتها:

“… إن المشرع أعطى الحق للمرتهن في تتبع العقار المرهون في أي يد انتقل إليها طبقا ….. ومن تم فإنه لا يمكن أن يكون لحق التتبع أي معنى إذا لم يكن من حق الراهن بيع الشيء المرهون.

وحيث إن هذا التأويل يزكيه القانون العام وهو قانون الإلتزامات والعقود الذي يعتبر نصا عاما يلجأ إلى تطبيقه عند عدم وجود النص الخاص في الظهير المذكور، الذي لم ينظم سوى الرهن الرسمي الذي يعتبر تسجيله وسيلة تقوم مقام قبض المرهون في الرهن الحيازي، فالغاية منهما واحدة وهي حفظ المرهون ضمانا للدائن وتأمينا لمصلحته” .

أما فيما يخص الإشكال الثاني المرتبط بمدى صحة الشرط العقدي الذي بمقتضاه يحظر الدائن المرتهن على مدينه الراهن بيع العقار المرهون أو رهنه أو كرائه ، فإن العمل القضائي انقسم بخصوص الحل المقرر لهذا الإشكال إلى توجهين ، توجه أول يعتبر أن الشرط صحيح على اعتبار أن القواعد التي تنظم وضعية الحائز للعقار المرهون ليست من النظام العام ، و من تم فإن الأطراف يجوز لهم الاتفاق على ما يخالفها ، صحيح أن من شأن هذا الشرط أن يحد من استعمال الحقوق الممنوحة للأفراد، إلا أن أنه تحديد مقيد من حيث النطاق بحيث يمتد المنع إلى حين استيفاء الدائن الراهن لمبلغ الدين و الفوائد المضمونة، و بالتالي يكون الاتفاق خاضعا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 109 من ق ل ع التي تجيز هذا النوع من الاتفاقات ، و توجه ثان يقرر بطلان الشرط العقدي الذي يحظر بمقتضاه الدائن على مدينه تقويت العقار المرهون ، لأن من شأن هذا التصرف أن يحد من الصلاحيات المخولة له كمالك إعمالا لمقتضيات الفصل110 من ق.ل.ع .

ويتفرع عن الإشكال أعلاه تساؤل حول مدى جواز إجراء قسمة في المال المرهون؟

إن الجواب عن هذه الإشكالية بالإيجاب، ومؤيداتنا القانونية في ذلك تتحدد على أساس معطيين اثنين:

ــــ الاعتبار الأول موضوعي يتمثل في أن الدائن المرتهن بإمكانه تتبع العقار في أية يد انتقل إليها والتنفيذ عليه، وبالتالي فإن قسمته عينيا لن تحول دون إمكانية التنفيذ على كل الأجزاء المفرزة، كما أن قسمته قسمة تصفية توجب إيداع منتوج البيع في حدود مبلغ الدين والفائدة المضمونة بصندوق المحكمة، وهذا لا يضر بالدائن في شيء . بل إن الحل مقبول تشريعيا على ضوء الفقرة الثانية من المادة 182 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي:

” إذا رهن أحد الشركاء حصته المشاعة فإن حق الدائن المرتهن ينتقل إلى الجزء المفرز الذي آل إلى الشريك بعد القسمة وإلى المدرك الذي حصل عليه الشريك لتعديل حصته وذلك إذا صادق الدائن المرتهن على عقد القسمة أو كان طرفا في الدعوى المتعلقة بها”.

وهذا التوجه قال به المجلس الأعلى ـــ محكمة النقض حاليا ـــ والذي علل أحد قراراته بما يلي:

” إن القرار المطعون فيه حينما أيد الحكم الابتدائي يكون قد تبنى حيثياته والتي ورد فيها أن الرهن المقيد على العقار لفائدة مكتب التسجيل و التنبر قد قيد لضمان التزام المدعية بالقيام بأشغال البناء للمشروع السكني فوق المدعى فيه داخل أجل لا يفوق سبع سنوات، وأن هذا الرهن يخول للراهن حق تتبع تنفيذ ذلك الالتزام من طرف أي شخص تؤول إليه ملكية العقار بمقتضى القسمة أو غيرها من الحقوق الناقلة للملكية، وهذا الرهن لا يحول دون إجراء القسمة، وبذلك فالقرار قد أجاب الطالبة عما أثارته في الوسيلة وحكم بما طلب وتبقى الوسيلة على غير أساس ..”.

ــــ الاعتبار الثاني مسطري يتمثل في أن المشرع أوجب لقبول دعوى القسمة المنصبة على عقار موضوع رهن رسمي أن يختصم في الدعوى الدائن المرتهن وإلا كانت غير مقبولة طبقا للمادة 320 من مدونة الحقوق العينية، وتطبيقا لذلك جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش:

” وحيث إنه فيما يخص طلب القسمة فإن المشرع أوجب كشرط لقبولها وجوب توجيه الدعوى ضد أصحاب الحقوق العينية وذلك طبقا لمقتضيات المادة 320 من مدونة الحقوق العينية التي تنص حرفيا على ما يلي:

” يجب على الشركاء أن يدخلوا في دعوى القسمة جميع أصحاب الحقوق العينية المترتبة على العقار “

و حيث إن المدعي لم يحترم هذه القاعدة ….، و بالتالي جاءت دعواه غير مقبولة” .

ونشير هنا إلى أنه في حالة قسمة العقار المرهون قسمة عينية فإن الرهن ينتقل إلى الحصة المملوكة للمدين الراهن، وتطهر حصص شركائه منه، غير أنه لا يعمل بهذا الحكم كيفما كانت نتيجة القسمة في الحالة التي يقدم فيها الرهن من طرف جميع الشركاء في الملك المشاع طبقا لما تقضي الفقرة الأولى من المادة 182 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي :

” إن الرهن الذي يبرمه جميع الشركاء في ملك مشاع يحتفظ بأثره على كافة الملك كيفما كانت نتيجة القسمة” .