تعديل القانون 03 – 16 ومآل المهنة
لا يمكن للعدول أن يتجاهلوا المسؤولية التي تقع على عاتقهم اليوم , والمتعلقة بتقييم تجربة المكتب التنفيذي لمسلسل تعديل القاونون 03 – 16 خلال المرحلة الماضية وإلى يومنا , ولا يجوز تأجيل النقاش أو تعليقه , ونحن نعاين الآثار السلبية للتأخير الحاصل في إنجاز مهمة قراءة لتوصيات إصلاح ورش منظومة القضاء الخاصة بالتوثيق العدلي .
فهي وإن كانت فيما يتعلق بولوج المرأة منتظرة , فرضها سياق الظرفية الحقوقية التي يشهدها المغرب وعلاقتها بتعهداته الدولية في هذا الشأن , إلا ان النص على تسمية الكاتب بالعدل بدل خطة العدالة أو التوثيق العدلي , دليل كاف على النية المبيتة للإجهاز على هذه المهنة وردة وانتكاسة , تجعل الحديث عن ” التحديث والارتقاء ” فاقدا للمصداقية ولا يمكن الوثوق به , حتى ولو تم التراجع عنه وإخفائه تحت مسمى آخر .
إن ولوج المرأة بدون إجراءات عملية جادة وحقيقية لإصلاح شامل وعميق للتوثيق العدلي , سيفجر نقاشا واسعا , سواء على مستوى المقاربات أو على مستوى المنهجية , أكثر مما أثاره في السابق من خلاف على مستوى المرجعية , نظرا لحساسية الموضوع ولبعده الدولي , لأن المحك منوط بتحقيق المساواة والعدالة , في إنصاف هذه المرأة وتكريمها وهي تقتحم حصنا ذكوريا منيعا لأول مرة .
لكن يبدو جليا هنا , أن أي مقاربة ستصبح متجاوزة عندما ستجد هذه المرأة
نفسها مصنفة في درجة دونية وأقل شأنا من إمرأة أخرى من نفس جنسها وجنسيتها ( موثقة – محامية ) تقوم بنفس مهام التوثيق ؟! ذلك أن كل المؤشرات توحي على أن منحى تعديل القانون 03 – 16 موجه بإصرار صوب تكريس التمييز التشريعي وخيار الجمود واستمرار المعوقات والعراقيل في تحديث المهنة , وتكريس بنياتها العتيقة .
لقد عاينا منذ إعلان توصيا ت إصلاح ورش العدالة كيف انتصر منطق التقليد على منطق التحديث بالنسبة للتوثيق العدلي , وكيف يتم إعادة إنتاج أساليب وأشكال التمييز ضد ممارسيه , إلا انه على ما يبدو في الأفق , أن الوضع بعد ولوج المرأة سوف لن يكون حتما كما كان من قبل , فأمامنا جميعا معركة حقوقية قد تتجاوز رحاها حدود الوطن , ينبغي أن تعد لها العدة من الآن .
أمام كل هذا الغموض والضبابية في مسار تعديل القانون 03 – 16 , فقد آن الأوان لكافة العدول , أن يتدارسوا الأسئلة المطروحة حاليا المحددة لمصير المهنة على جميع مستويات الهيئة , وأن تحال الخلاصات على النقاش العلني , وأن تمر وجوبا عبر جهاز الجمعية العامة لتحديد صيغتها النهائية باعتبارها الجهة التقريرية المخول لها حصريا بمقتضى القانون تحديد التوجهات الكبرى للمهنة .
إن من حق العدول أخذ مسافة تفصلهم عن وزارة العدل في تدبير مسار التعديل , لأن هناك دروس لا بد أن نستخلصها من التجربة السابقة والحالية في تدبير هذا الملف , تتجلى أساسا في كون التجربة مجردة من أسلحتها , وليست لديها عناصر القوة التي يمكن أن تسمح حقيقة بفرض مطالب العدول الضرورية المستندة على الحقوق المشروعة التي نص عليها دستور المغرب لسنة 2011 وهي :
العدالة – المساواة – تكافؤ الفرص – تلازم الحقوق والواجبات .
إنها تجربة مرتهنة بمعطى الريع التشريعي , ومعلق مصيرها على عناصر خارجة عن إرادتها , وهي مفتوحة على كل الاحتمالات , لأنها لا تملك القدرة الذاتية على التحكم في مسار التعديل أو اقتحام معركة التحديث والارتقاء المنشود .
لم يبق هناك أمل إلا إذا تحرك العدول بهمة وحزم لمواجهة الموقف , في صف واحد ومتراص , فعال ومبادر , يقود الإصلاح والتحديث بنكران ذات وحس أصيل , وإرادة مصممة على مواجهة كل متطلبات النضال من أجل التغيير .
ينبغي ان ننطلق من نقطة البداية , وان ننزل بكل الثقل الضروري والقوة الجماعية لإعادة الاعتبار للتوثيق العدلي .
هناك محاولات ترمي إلى زرع التذبذب والانقسام في صف العدول , وجعل آفاق النضال الجماعي تبدو ضبابية ومسيجة بالكوابح , وتهدف إلى جعل هذا التوجه غير قادر على توفير أفق الرؤية الضرورية لإصلاح وتحديث المهنة , وهو ما سيؤدي إلى ترك المبادرة بصورة كلية للطرف المنافس بل المعادي للعدول وللتوثيق العدلي .
إن الأولويات المطروحة , هي مهام التصحيح والنضال , وهي مهمة تقع على عاتق كل العدول الشرفاء من أجل إنقاذ المهنة , والحرص على ألا تؤدي تفاعلات قوانين الطبيعة وضغط اللوبيات إلى الإلقاء بها في مصير مجهول والعبث بمستقبلها .
وهذا يتطلب التعجيل بإجراء عملية ترميمية للبت الداخلي من خلال :
– العمل من أجل إصلاح هياكل أجهزة الهيئة
– العمل على تماسك العدول وتأطيرهم
– إعادة صياغة القانون الداخلي بما يكفل الفعالية والشفافية وتحديد المسؤولية .
إن علينا جميعا ان نعي حقيقة صادمة , وهي أننا نزاول مهنة في ظل أوضاع اجتمعت فيها كل أعراض المهن الآيلة للاندثار , وعلينا إزاء هذا الواقع , ان نبحث عن الوسائل التي تحول دون وقوع هذا الاندثار , وليس عن الوسائل التي تؤجله .
فهل يعيد العدول الاعتبار لإنفسهم وللتوثيق العدلي مكانته ودوره ووظيفته في المجتمع ؟
خلاصة
لقد ظهر من خلال المتابع النقدية الواردة في هذه الورقة , أن هناك مشكلة حقيقية تنظيمية تعاني منها الهيئة وأجهزتها , الشيء الذي يجعل آثارها وانعكاساتها جلية وملموسة في تدبير ملف تعديل القانون 03 – 16 , وتتجلى هذه المشكلة أساسا في وجود اختلافات في الرؤية بصدد أسئلة جوهرية :
– هل مشاركة لجنة الحوار السابقة و ” الحالية ” المنبثقة عن المكتب التنفيذي في تعديل القانون 03 – 16 تمت وفق الحد الأدنى المقبول طبقا للمقاربات والمقاييس الحقوقية المنصوص عليها دستوريا ؟
وهل للمكتب التنفيذي طاقة دفع داخلية تجعله قادرا في جميع الظروف ان يمثل أداة حقيقية لإنقاذ وإصلاح المهنة ؟ أم أنه مجرد أمل معلق على ما تستطيع أن تصنعه به إرادة وزارة العدل واللوبيات سلبا أم إيجابا ؟
– هل للأجهزة التقريرية لاسيما الجمعية العامة قيمة ما ؟ أم أن دورها يعلق على شرط ظهور حدث رسمي المنشأ ؟ أم أن هناك خطة ما , هي من الأهمية بحيث تلغي ضرورة تفعيلها ؟ وما أثر ذلك على مشروعية عمل الهيئة وتماسك أعضائها؟
– هل الاعتماد على المكتب التنفيذي يمكن أن يشكل بديلا عن الإلتئام حول برنامج ورؤية والنضال من أجلها ؟
إن هذه الأسئلة مطروحة على جميع العدول , وإن تحديد الأجوبة يبدو بديهيا في هذه المرحلة , فهناك أصوات تصدع بالنقد الجريء , وهناك نفس حقيقي للغيرة يسري في العدول , علينا أن نفتح نقاط الضوء , وان نفتح أفقا للأمل .
اضف تعليقا