يرتكز نظام التوثيق العدلي كما هو معلوم على قاعدة التلقي الثنائي للعقود و الشهادات ؛ و هو ما يستوجب بالتبعية تقاسم مسؤولية التحرير بين العدل الأول و العدل الثاني . و هذا ما أكدته المادة 33 من القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة حيث جاء فيها ما يلي : ” تكتب الشهادة تحت مسؤولية العدلين في وثيقة واحدة … ” .
إن فرض الإقتسام الإجباري للمسؤولية بين العدلين و لا سيما الجنائية منها تجعل العدل الثاني في غير مأمن عن نفسه و هو عرضة في أي لحظة للمساءلة الجنائية بسبب فعل ارتكبه العدل الأول إما عن حسن نية أو عن سوئها في مذكرة الحفظ الممسوكة لديه دون علمه ؛ و هو ما يجعل العدل الثاني يستشعر دائما هذه الاشكالات التي تؤثر بشكل سلبي على المردودية و العطاء و النجاعة المطلوبة في ميدان تحرير العقود العدلية .
و هكذا فالمسؤولية الجنائية المقتسمة بصورة إجبارية بين العدلين في نظام التوثيق العدلي مع ضعف بل غياب الحماية القانونية للعدول بصفة عامة سواء على مستوى قواعد قانون التوثيق العدلي ( 16.03 ) أو على مستوى قواعد القانون الجنائي المغربي يجعل العدلين مقيدين في تصرفاتهما بما يعوق في بعض الأحيان ممارسة الإختصاص و القيام بالمهام على أحسن وجه ؛ كما يمكن لغياب الحماية القانونية للعدول كذلك أن يكون عائقا أمام ما تتطلبه الممارسة المهنية من سرعة في تنفيذ و انجاز المعاملات .
لا شك ان حجم المسؤولية الملقاة على عاتق العدول بسبب خطورة المهام و الاختصاصات المسندة اليهم ؛ مع غياب الضبط القانوني لهذه المسؤولية بالدقة اللازمة و التنصيص على الحدود الفاصلة بين الأخطاء العادية و المهنية و الاغفالات و التزوير في المحررات … الخ ؛ يجعل من ممارسة الاختصاص من طرف العدلين أمرا صعبا و مسألة شائكة و معقدة . فما يراه العدل الأول سليما من الناحية القانونية و مستوفيا للشروط الموضوعية و الشكلية المتطلبة قانونا لتلقي الشهادة بشأنه ؛ قد يراه العدل الثاني خلاف ذلك أو العكس ، الشيء الذي يؤدي إلى عرقلة عمليات التوثيق بسبب تباين الراي و الموقف بين عدلين منتصبين للتوثيق و الإشهاد في النازلة الواحدة ، و هو ما ينعكس سلبا على النجاعة التوثيقية بكيفية مباشرة و على النجاعة القضائية بصفة غير مباشرة .
ان غياب توفير الأمن للعدول في مجال التوثيق العدلي عامل مؤثر على النجاعة التوثيقية و القضائية ؛ و بالتالي فمفهوم الأمن باعتقادنا يجب الا يقتصر على تكريس البعد الحمائي للمتعاقدين و للحقوق العينية و الشخصية فحسب ؛ و انما يجب أن يشمل كذلك العدول و العمل على حمايتهم بنصوص قانونية واضحة و صريحة تضمن للممارسة التوثيقية العدلية مصداقيتها ؛ فليس من المنطق و العدل و الانصاف في شيء ان تتم متابعة العدول لمجرد أخطاء عادية بسيطة ناتجة عن الطبيعة البشرية للإنسان بسبب تكييفات جنائية خاطئة ؛ ثم و هذا هو الأهم انه لا يعقل ان يتم اسناد اختصاص التحقيق مع العدول لجهات تفتقر الى التكوين المطلوب في مجال التوثيق نظرا لدقة قواعد هذا لأخير .
كل هذا يدعو إلى إعادة النظر في نظام العدلين و بالتبعية إعادة النظر في نظام المسؤولية المتعلقة بهذا النظام و العمل على إدخال إصلاحات و تعديلات جوهرية أخذا بعين الاعتبار ما يكفل مصلحة المواطن و يضمن حماية العدل و يوفر الامن الشامل في مجال التعاقد لدى العدول مع اعتماد صريح لمبدأ مسؤولية محرر الوثيقة .


( *) ذ.سليمان أدخول
عدل باحث