بقلم ؛د. عبد اللطيف الشنتوف
صادق مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) بالمغرب يوم 24-07-2018 على القانون رقم 15-38 المتعلق بالتنظيم القضائي[1]، بعدما سبق لمجلس النواب أن صادق عليه منذ سنتين وتحديدا بتاريخ 28-06-2016 وهو القانون الذي سبق لوزارة العدل أن أعدته وطرحته للنقاش وتلقت بشأنه عدة مذكرات لجمعيات وهيئات مهتمة بشؤون العدالة وتضمن العديد من المستجدات التي لم يسبق للمغرب أن عمل بها. إلا أن هذا القانون تأخرت المصادقة عليه بسبب انتهاء ولاية البرلمان ودخول البلاد فترة انتخابات سنة 2016 وما رافقها بعد ذلك من تأخر في تشكيل الحكومة وكذا كثرة الأولويات التشريعية .
فما هي إذا السياقات التي جاء فيها هذا القانون؟ وما هي أهم مستجداته الشكلية والموضوعية؟
أولا: سياقات صدور قانون التنظيم القضائي الجديد
يعتبر قانون التنظيم القضائي الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان من القوانين الرئيسية المهيكلة للقضاء المغربي فيما له صلة بالمؤسسات والقضاة. ويمكن أن نصنفه في المرتبة الثالثة بعد القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة. كما أنه يأتي بعد أزيد من أربعين سنة من تطبيق ظهير (قانون) 15 -07- 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة الحالي[2]. وقد جاء القانون الجديد الذي نحن بصدده في ظرفية خاصة تميزت بارتقاء دستور 2011 بالقضاء كسلطة قائمة الذات ومستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية. وجاء ليتبنى خلاصات توصيات جلسات الحوار الوطني حول الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة. كما سعى إلى إعادة النظر في تنظيم تشريعي أرهقته كثرة التعديلات وأخرجته عن روحه بسبب جملة من التجارب التي كان التنظيم القضائي المغربي حقلا لها.
ثانيا: أهم مستجدات قانون التنظيم القضائي الشكلية:
تضمن المشروع الجديد حوالي 120 فصلا مقابل 28 فصلا في القانون الحالي، بمعنى أن عدد المواد تضاعفت الآن أربع مرات، وحملت زيادة المواد هاته طفرة كمية تهم التغييرات على مستوى الشكل والمضمون.
أهمها من ناحية الشكل أننا أصبحنا الآن أمام مدونة متكاملة للتنظيم القضائي تم الدمج في طياتها كل النصوص المتفرقة هنا وهناك في قوانين مستقلة او خاصة، وذلك من قبيل الأحكام المتعلقة بتنظيم قضاء القرب الذي ينظمها الآن قانون مستقل وكذلك الأمر بالنسبة للمحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية والمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية وبعض المقتضيات المدمجة في صلب قانوني المسطرتين (المدنية والجنائية).
ثالثا: أهم مستجدات قانون التنظيم القضائي الموضوعية:
في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن هذا القانون يحتاج في تحليله إلى أكثر من قراءة متخصصة فيه للوقوف على الجوانب الايجابية فيه وكذا ما يمكن أن يكون قد حمله من سلبيات على مستوى المواضيع التي ينظمها بدءاً من تصنيف المحاكم وتقييمها إلى التنظيم الداخلي للمحاكم والجديد الذي حمله تنظيم عمل الجمعيات العامة داخل المحاكم كآليات دمقرطة اتخاذ القرار داخل المحاكم وخصوصا فيما له ارتباط وثيق باستقلالية القرار القضائي، فضلا عن مواضيع أخرى لها ارتباط بمجال الادارة القضائية ككل ودور مساعدي القضاء في تحقيق النجاعة القضائية.
وعليه، فإننا سوف نشير فقط إلى بعض المستجدات التي حملها القانون المذكور بشكل عام، على امل أن تكون هناك مناسبات أخرى لتحليل كل مستجد على حدة من حيث فعاليته ونجاعته وتأثيره على مبدأ استقلال القضاء الذي يبقى الضابط الأساسي في القوانين المنظمة للمرافق القضائية ولحقوق المتقاضين.
وهكذا تضمن القانون الجديد عدة مستجدات أهمها ما يلي :
– تضمن القانون التذكير ببعض المبادئ التي تهم وحدة القضاء واستقلاله وحقوق المتقاضين.
– كرس القانون الجديد أحقية الحكومة بمقتضى مراسيم في التوزيع الجغرافي للمحاكم (الخريطة القضائية) “وأضاف إليه بعض المقتضيات والمعايير الجديدة المتعلقة بضرورة استطلاع رأي المجلس الأعلى للسلطة القضائية والهيئات المهنية المعنية ومراعاة حجم القضايا والمعطيات الجغرافية والديمغرافية والاجتماعية وكذا التقسيم الإداري عند الاقتضاء، وكذا المعطيات الاقتصادية والمالية إذا تعلق الأمر بإحداث محاكم تجارية”[3].
– احداث مؤسسة جديدة داخل المحاكم وهي مكتب المحكمة مع منحها اختصاص اعداد مشروع جدول أعمال الجمعية العامة للمحكمة.
– تنظيم مؤسسة الجمعية العامة بالمحاكم وتوضيح اختصاصها وطريقة عملها وانعقادها، وهو الشيء الذي لم يكن في قانون التنظيم القضائي الحالي لسنة 1974، حيث لم يكن هناك أي نص يوضح طريقة انعقاد هذه الجمعية وطريقة اتخاذ القرار داخلها. وهو ما تفاده القانون الجديد. المستجد الكبير هو إدخال مؤسسة الجمعية العامة إلى محكمة النقض لأول مرة في تاريخ المغرب، وهي من المطالب التي كانت تنادي بها بعض الجمعيات المهنية في المغرب. .
– النص على دور المسؤولين القضائيين (رؤساء المحاكم بمختلف الدرجات) داخل المحاكم، وهناك بعض المؤاخذات في هذا القانون بخصوص هذا الجانب يمكن العودة إليه لاحقا .
– إسناد مهمة التواصل مع الرأي العام والصحافة إلى المسؤول القضائي بالمحكمة مع إمكانية تفويضها.
– نص القانون الجديد على إمكانية إنشاء الأقسام التجارية المتخصصة والأقسام الإدارية المتخصصة داخل المحاكم الابتدائية والاستئنافية. وهو الموضوع الذي أثار جدلا واسعا أثناء نقاش القانون عندما كان مجرد مشروع. ويبدو أن الاتجاه العام الآن يذهب إلى الحفاظ على المحاكم المتخصصة الموجودة الآن، مع فتح إمكانية إحداث هذه الأقسام إذا دعت إليها الضرورة لعقلنة الخريطة القضائية والتغلب على بعد المسافات في بعض المناطق.
– تحديد اختصاصات وزارة العدل داخل المحاكم وتحديد منظومة التدبير.
– إحداث مؤسسة الكاتب العام للمحكمة واختصاصاته وعلاقته بالوزارة المكلفة بالعدل والمسؤولين القضائيين، وهو المنصب الذي يرى فيه العديد من المتتبعين أنه تجسيد عملي للحضور الإداري لوزارة العدل داخل المحاكم في مقابل حضور المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالقضاة والمسؤولين القضائيين (رؤساء المحاكم).
– مجالات التفتيش التي ستختص بها المفتشية العامة الشؤون القضائية والتي تم الاكتفاء فيها بالإحالة على القانون الذي سوف ينظمها وبالمقابل تم التفصيل في صلاحيات المفتشية العامة التابعة للوزارة المكلفة بالعدل. وخاصة فيما له صلة بالجانبين المالي والإداري.
– إحداث هيكلة إدارية جديدة هيكلة للمحاكم وخاصة فيما له صلة بكتابة الضبط وإسناد بعض الاختصاصات إلى مؤسسة الكاتب العام الجديدة.
– إحداث بعض اللجان لتدراس القضايا التي تهم حل الإشكالات العالقة بالمحاكم وتسيير العمل بها، من قبيل اللجنة المكونة من رئيس المحكمة ووكيل الملك ونقيب المحامين، على أن القانون ترك الباب مفتوحا ونص على أنه يمكن إنشاء نفس اللجان مع مهن قانونية أخرى بنفس التركيبة مع تعويض نقيب المحامين بممثل الهيئة المعنية.
– تحديد اختصاص مكاتب المساعدة القضائية.
هذه هي بعض المستجدات التي جاء بها القانون الجديد المتعلق بالتنظيم القضائي المغربي بشكل عام، على أمل العودة لتحليل بعض منها ورصد إيجابياتها كما سلبياتها إن وجدت ومدى تأثيرها على الواقع القضائي المغربي.
[1] – يمكن الاطلاع على تقرير لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين المغربي الذي أعدته حول مناقشة هذا القانون والذي ارفقته في آخر التقرير بنص القانون كما تمت المصادقة عليه – متاح في موقع مجلس المستشارين الالكتروني على الرابط الآتي : http://www.chambredesconseillers.ma/ar/%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%86
[2] – يمكن الاطلاع على هذا القانون الذي لازال ساريا إلى ان يدخل القانون الجديد حيز التنفيذ في موقع التشريعات التابع لوزارة العدل المغربية على الرابط الآتي : http://adala.justice.gov.ma/ar/Organisation/OrganisationJudiciaire.aspx
[3] – حول موضوع الخريطة القضائية انظر ما نشرته المفكرة القانونية بتاريخ 19-07-2017 في موقعها الالكتروني على الرابط الآتي : http://legal-agenda.com/article.php?id=3793
مصدر: الموقع الإلكتروني مختص بالشؤون القانونية legal-agenda.com
Leave A Comment