بقلم الاستاذ ادريس الطرالي

نائب امين المال بالجمعية المغربية للعدول الشباب

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله الذي شرف الإنسان، بنعمة العلم والبيان، إذ كل علم من علمه سبحانه الأعلى، وكل فهم من إلهامه الأسمى والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من بأمته أرأف وأرحم، سيدنا محمد الذي ورثه ربه الأعظم الأكرم، من جليل الفضائل، وجميل الشمائل، فكان بذلك إمام الرسل والأنبياء، وسيد العلماء الأصفياء، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله الطيبين وأصحابه الهاديين المهديين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
أحييكم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بداية أتشرف بأن ألقي على مسامعكم هذه المحاضرة المتواضعة التي أتمنى من الله أن تصل إفادتها إليكم، ولا أنسى أن أتوجه بكلمة شكر وامتنان لرئيس هيئتنا الموقرة والصامدة على الثقة التي وضعها في شخصي من أجل المساهمة في هذا الورش التكويني العلمي الكبير لكم وأنتم فوج استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى خصوصا وأنه يضم فيه طاقات وكفاءات لا شك بأنها ستكون قيمة ذهبية إضافية لهاته المهنة الشريفة، محاضرتنا اليوم معنونة بالتركة الشاغرة فقبل الخوض في هذا الموضوع ارتأيت إلى تقسيمه إلى مبحثين أولا:

تعريف التركةو التركة الشاغرة وماهيتها

الإشكالات التي يطرحها موضوع التركة الشاغرة والإجراءات بأيلولتها للدولة

المبحث الأول: التركةوالتركة الشاغرة تعريفها وماهيتها.

التركة في الاصطلاح الفقهي وخاصة عند جمهور فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة تعني كل ما يتركه الهالك من أعيان وحقوق مالية سواء كان مدينا قبل وفاته أولا، وسواء كانت ديونه عينية متعلقة بعين التركة أو شخصية متعلقة بذمته كدين المهر مثله، كما تشمل جميع الحقوق الأخرى كحق الشفعة وحق خيار الشرط وخيار الثنيا وحق قبول الوصية وردها، والتركة في اللغة مشتقة من الترك وهو التخلية ويقال ترك الشيء إذا تخلى وانفصل عنه ومنه قوله تعالى ﴿ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم﴾ وهي عبارة عما يتركه الهالك من ميراث. فمن لم يخلف شيئا يورث عنه، فليس لهذا العلم بالنسبة له موضوع، ولذلك كان الشيء الموروث أحد الأركان الثلاثة التي أشار إليها ابن عاصم في تحفته بقوله:
    الإرث يستوجبه شرعا ووجب   بعصمة أو بولاء أو بنسب
    جمــــيـــــــعها أركانه ثلاثـــة   مــــال ومقدار وذو الوراثة
وقد عرف المشرع المغربي التركة في المادة 321 من مدونة الأسرة بكونها مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية، ويستنتج من هذين التعريفين المذكورين أن التركة  تطلق على كل ما يخلفه الهالك من الأموال والحقوق المالية دون التزامه وهذا مطابق للمبدأ الشرعي القاضي بأن الوارث يرث الحقوق دون الالتزامات، وأنه لا يسأل عن ديون مورثه إلا في حدود منابه من أموال التركة، وبهذا التعريف يكون المشرع المغربي قد سار على رأي جمهور فقهاء المذهب المالكي والشافعي والحنبلي، إذ لم يميز بين الحقوق التي تعلق حق الدائن بدين منها وبين تلك التي لم يتعلق بها أي حق، بمعنى أن التركة حسب المادة المذكورة هي جميع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية سواء كان مدينا قبل وفاته أم لا وسواء كانت ديونه عينية متعلقة بعين من أمواله أو شخصية متعلقة بذمتة وفي هذا الإطار أكد المجلس الأعلى في قراره المدني عدد 270 الصادر بتاريخ 04/6/1969 أن ديون الهالك تخرج من تركته وأن ورثته ليسو بمسؤولين عن ديونه ما دام لم يثبت أن الهالك خلف متروكا وأن الورثة حازوه قبل قضاء الديون المتخلفة في ذمة الهالك ومن جهة أخرى إن مسؤوليتهم في ذلك فردية تكون على نسبة ما حازه كل منهم في نصيبه ولهذا فإن محكمة الموضوع قد خرقت هذه المبادئ عندما قضت على الورثة بالأداء على سبيل التضامن بينهم دون أن تقوم بتصفية التركة أو تختبر هل خلف الهالك متروكا يفي بقضاء ديونه وهل حاز الورثة منه شيئا وما مقدار ما حاز كل واحد منهم من ذلك لتجري أحكام الشريعة الإسلامية على مقتضاها.
وبالرجوع إلي محاضرتنا بالأساس فالتركة الشاغرة نجد المشرع المغربي أفرد لها مادتين من قانون المسطرة المدنية وهي التركة بدون إرث أي ميراث من لا وارث له حيث نصت المادتين 267 و268 من قانون المسطرة المدنية على كيفية تصفيتها وبينتا أهلية الدولة فيها، فالتركة الشاغرة تعد أصلا من مواضيع الإرث والتي قد لا تتطرق لها الدراسات الحقوقية في جامعاتنا المغربية رغم طابعها العملي عند القاضي والإدارة، وعليه فالموضوع لا يكتسي جديته فقط من حيث كونه يشكل مادة من مواد القانون الخاص، بل أيضا لتعلقه بالدولة، وهذا جانب لم يلم به إلا قلة من الفقه المغربي المعاصر على عكس قدماء الفقه الإسلامي الذين احتفوا به ضمن دراستهم لحقوق بيت المال كلما تعلق الأمر بتركة بدون وارث لمسلم أو لغير مسلم ولارتباط هذا الموضوع بالدولة (بيت المال) برزت صعابه من حيث ضرورة الربط بين الماضي والحاضر واستحضار التكييف الذي قال به الفقه الإسلامي والفقه الغربي تبرير حق الدولة في هالكين عن ترواث ليس لها وارث ومستحق، هذا في الوقت الذي لم تكن اكتملت بعد صورة مآل بعض القضايا لدى القضاء المغربي ذات الصلة بهذا الموضوع، ولم تقف الصعاب عند الحد المشار إليه بل اتسعت بالتغيرات التي لحقت المصادر الوضعية ذات الصلة بالموضوع ويتعلق الأمر بمدونة الأسرة والتي نسخت أحكامها من مدونة الأحوال الشخصية وبفصول قانون المسطرة المدنية ذات الصلة وبالتعديل الذي لحق بالقانون الفرنسي سنة 2006 وبالدستور المغربي سنة 2011 وبالقانون العقاري ومدونة الحقوق العينية سنة 2011. فهذه طفرة تشريعية جد هامة وألحت هذا الموضوع وأكد ضرورة توسعها في المستقبل القريب أمير المؤمنين نصره الله في خطاباته السامية.
فبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية في المادة 267 ومادة 268 وكيفية التعامل مع التركة الشاغرة فإذا كانت الدولة مؤهلة عند انعدام وارث معروف للإرث أخبرت السلطة المحلية لمكان الوفاة وكيل الملك بذلك مع بيان المتروك على وجه التقريب ويصدر رئيس المحكمة الإبتدائية المحال عليه الطلب من طرف وكيل الملك أمر على طلب يعين فيه كاتب الضبط لإحصاء الأموال والقيم المتروكة ويعين قيما إذا كانت لها أهمية ما لحراستها، ويضع هذا الكاتب الأحكام عند الحاجة، ويحرر محضرا لمختلف هذه العمليات، وإذا كانت الأموال تشتمل على عناصر قابلة للتلف أستؤذن رئيس المحكمة في بيعها بالكيفيات المقررة لبيع منقولات القاصر، وتوضع الأموال الناتجة عن هذا البيع بعد خصم المصاريف بصندوق الإيداع والتدبير و يخطر وكيل الملك حينئذ إدارة الأملاك المخزنية،و يأمر رئيس المحكمة الابتدائية عند الاقتضاء باتخاذ جميع تدابير الإشهار التي يراها ضرورية وخاصة تعليق أمره بآخر موطن للهالك وبمقر الجماعة لمحل ازدياده إن كان معروفا وحتى النشر في جريدة واحدة أو أكثر من الجرائد التي يعينها، كذلك لابد من الإشارة إلى أن المرسوم رقم 995ـ07ـ2 بتاريخ 23/10/2008 جعل التركات الشاغرة من الأملاك القابلة لأن تؤول إلى الدولة إلى جانب عقارات قابلة الاسترجاع في إطار ظهير 2 مارس 1973 وهذا لا يمنع إن ظهر خلف يطالب بمثل هاته التركات ولو قضائيا وهناك عدة قرارات صادرة عن محكمة النقض نذكر على سبيل المثال القرار عدد 837 الصادر بتاريخ 22/02/2011 في الملف رقم 1982/1/1/2009 القاعدة فيه بصدور أمر قضائي بإعلان أن هالكا توفي ولم يترك وارثا وخلف متروكا تسلمته الدولة بصفتها مؤهلة للإرث لا يمنع خلفه الذي ظهر بعد ذلك من المطالبة بحقه المنجز إليه من الهالك المذكور،لا تتوقف هذه المطالبة على الطعن في الأمر القضائي الذي صدر فقط للإعلان عن حالة ظاهرة وهي انعدام الخلف وبعد ذلك يثبت العكس وطلب التقييد في الرسم العقاري ولا تتقادم ضمن شروط اعتبار التركة الشاغرة وذلك في حالة إذا لم يوجد للمتوفى ورثة أصلا. ولا مقر له بالنسب على الغير ولا موصى له فيما زاد عن الثلث،  فإن تركته توضع في بيت المال أي خزينة الدولة.

المبحث الثاني: الإشكالات التي يطرحها موضوع التركة الشاغرة والإجراءات بأيلولتها للدولة.

اعتبرت المادة 267 والمادة 268 من قانون المسطرة المدنية الأملاك التي لا مالك لها تعد ملكا من أملاك الدولة فهذا لا يعني إلحاق هذه الأملاك يتم بقوة القانون بل يجب أن تتخذ جملة من الإجراءات لأيلولة هذه التركة الشاغرة لملكية الدولة خاصة ومن بينها: أولا التحقيق والبحث عن الورثة فالإدارة تلتزم قبل أن تطلب بالتركة أمام القضاء بإجراء تحقيق قصد البحث والتحري حيث تتم إجراءاتها عن طريق نشر إعلانات شغور تركة فلان بأعمدة الجرائد المخول لها قانونا نشر الإعلانات القضائية فبعد إعلام السلطة المحلية في شخص الولي أو من ينوب عنه عن وجود ملك بدون صاحب يقوم المعني بالأمر بتبليغ مديرية أملاك الدولة ويطلب منها القيام بتحقيق أولي حول طبيعة ملكية التركة محل الشغور، وبعد ذلك تقوم مديرية الدولة بإجراءات التحقيق حول الطبيعة الأصلية للملكية، وهذا الإجراء هو اختصاص المدير، لكن لهذا الأخير أن يفوض وفق قواعد تفويض الاختصاص أي عون من أعوان الإدارة المؤهلين للتحقيق وبعد الانتهاء من عملية التحقيق والبحث والتحري وبعد انقضاء المدة لتلقي الاعتراضات دون تقديم أي اعتراضات بخصوص إعلان الشغور المنشور في الجرائد الرسمية وفي حالة انتهاء إجراءات التحقيق بنتيجة إيجابية يبقى على السلطة الإدارية أن تطالب الجهة القضائية المختصة الواقعة بدائرة اختصاصها مكان التركة التصريح بانعدام الوارث طبقا للمادتين المشار إليها أعلاه وبعد ذلك يقوم القاضي بدوره بتعيين الدولة بواسطة ممثلها القانوني بحيازة التركة الشاغرة وبذلك تصبح الدولة مالكة لمحتويات التركة ملكية تامة وبالتالي تدرجها في أملاكها الخاصة ومعلوم أن ماهية إشكالية هذا الموضوع نجدها لصيقة بتشتت النصوص والرؤى لدى كل من له به صلة من قضاة وممن يؤازرهم من محامين وإدارة تمثل الدولة (بيت المال) ولئن كان الفقه الإسلامي متمثلا في الفقه المالكي والذي كان يلجأ إليه في الموضوع قبل الحماية قد حسم الاحتكام إليه لما قررته قواعده المستنبطة من مضانها الأصليةـ القرآن والسنةـ كلما تعلق الأمر بهالك مسلم أو غير مسلم، فإن مسألة الحسم تلك لم تكن بنفس الوضوح في عهد الحماية التي ابتلي بها المغرب بسبب تفريقها بين المواطن المسلم من حيث خضوعه للأحكام العرفية في المناطق التي عينتها سلطات الحماية، بينما في غيره ظل خاضعا لقواعد الفقه الإسلامي علما بأن نفس التركة لشخص كانت تخضع لأحكام العرف والتقاليد ولقواعد الفقه الإسلامي كلما كانت عناصرها متفرقة بين نفوذ المجالين المذكورين بل إن مسألة الإسلام لم تراعها سلطات الحماية كلما تعلق الأمر برعية فرنسي من أصل جزائري أو تونسي، وبالنسبة لتركات الأجانب فأنها وإن ظلت خاضعة لقوانينهم الوطنية تبعا لما قرره كل من ظهير ووضعيتهم المدنية بالمغرب وقانون المسطرة المدنية الصادرين سنة 1913 فإن العمل بتلك القوانين الوطنية ظل ساريا بالنسبة للبعض الذين أبرمت دولهم معاهدات سابقة مع فرنسا قبل بسط حمايتها على المغرب أي أن هذا الأخير تحمل وزر تلك المعاهدات التي لم تكن طرفا فيها فقط لأن فرنسا الحامية له كانت قد التزمت بها وهذا ما ينطبق مثله على اتفاقية فرنسا مع سويسرا بتاريخ 15 يونيو 1869 واتفاقيتها مع بلجيكا بتاريخ 8 يوليوز 1899، إذ في كل الاتفاقيتين نظمت تركات رعايا الدولتين المتعاقدتين الذين توافيهم المنية في البلد الآخر تسييرا وتصفية من طرف الممثلين الدبلوماسيين للدولتين المذكورتين وهذا ما عكسه قانون المسطرة المدنية المؤرخ في 12 غشت سنة 1913 في قسمه السابع وبالضبط في الباب السادس المتعلق بالإجراءات المختلفة المتعلقة بحالة الأشخاص وذلك بالنص في الفصل 394 منه على ما يلي:” تطبق فصول هذا الباب أولا على جميع من يحملون الجنسية الفرنسية ثانيا جميع من يحملون جنسية أجنبية ما دامت مقتضيات هذه الفصول ملائمة لأحوالهم الشخصية ولا تخالف الاتفاقيات الدبلوماسية” ولئن كان من أبرز أثر لمثل هذه الوضعية أن المغرب لم يكن يستفيد من تركات الأجانب الشاغرة في ظل العمل بالقضاء القنصلي ولا بعد التخلي عن هذا القضاء بإنشاء نظام الحماية وبعض انصياع بعض الدول الأجنبية لرغبة فرنسا في تخليها عن امتيازاتها بالمغرب، ورغم استقلال المغرب فإن أهم ما طرأ على الموضوع من تغيير هو خضوع الأجنبي المسلم للقضاء الشرعي فيما يتعلق بأحواله الشخصية، وبطبيعة الحال هذا يعني خضوع تركة الأجنبي المذكور ووصايا القانون المغربي المتمثلة في مقتضيات الكتاب السادس من مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 تطبيقا لظهير 24 ابريل 1959. لكن وضعية التركة الشاغرة لم يطرأ عليها كثير من التغيير من حيث حق الدولة المغربية في تركات الأجانب غير المسلمين بل هذا ما أمكن ملاحظته بعد صدور قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 فالغموض ظل يلف هذا الموضوع دفع بصدور المنشور رقم 890 بتاريخ 7 يوليوز1980 الصادر عن وزير العدل للقول بأن حق الدولة ـ بيت المال ـ ثابت في كل تركة بدون وارث أي شاغرة وكيفما كانت جنسية وديانة الهالك عنها، وفي هذا الخضم ظهر اضطراب واضح للقضاء المغربي الذي لم يستطع الحسم منذ بداية الستينيات في حق الدولة المغربية في تركتين شاغرتين تعودان لأجنبي، أحدهما غير مسلم فيما الأخرى لأجنبي مسلم إذا لم يفصل في الأولى إلا منذ سنة 1996 بينما بت في الثانية سنة 2009، إن الاضطراب المحدث عنه يظهر جليا أيضا عند الحكم بوفاة أجانب فقدوا أو غابوا عن المغرب ولم يعثر لهم عن أثر وتجاوزت أعمارهم حد التعمير المعمول به في الفقه الإسلامي وهذا فيه إخلال واضح في التكييف لحق الدولة أهو إرث أم هو وضع ليدها على الملك بدون مالك، بناء على مالها من سيادة فوق ترابها الوطني؟ وإذا كان حق بيت المال ـالدولةـ في التركة الشاغرة من منظور الفقه المالكي يستند على الإرث، فمثل هذا التكييف يصطدم مع النظام العام المغربي الذي يمنع التوارث بين المسلم وغير المسلم، أما إذا كان ذلك البناء يستند على أنه وضع اليد على الملك بدون مالك، فالنص القانوني المؤسس لذلك غير موجود وهذا ما يبرر حيرة القضاء المغربي واضطرابه في البت في مثل هذا النوع من القضايا في الوقت الذي بدأ فيه المغرب يعرف تقاطر الأجانب على أرضه واستقرارهم به في إطار شركات استثمارية واسعة ولأسباب أخرى متعددة ومختلفة رغم ما كان للحماية من يد في الوضعية المضطربة للتركة الشاغرة، فإن استقلال المغرب لم يكن له أثر بالغ على موضوع التركة الشاغرة باستثناء إخضاع تركة المسلمين الأجانب إلى أحكام الفقه الإسلامي وتنازل الدولة عن حقها في تعصيب الباقي عن ذوي الفروض لصالح هؤلاء مع ملاحظة تعميم تطبيق قانون المسطرة المدنية بعد إصلاح سنة 1974 على كل التركات الشاغرة العائدة للمغاربة المسلمين أو الأجانب المسلمين وحتى بعد حلول أحكام مدونة الأسرة محل أحكام مدونة الأحوال الشخصية فقد تم التغاضي عن الإشارة في مادته الثانية إلى تطبيق أحكامها على المسلمين الأجانب، وذلك أسوة بتطبيق نفس الأحكام على فئات دون اعتبار لعقيدتهم ويتعلق الأمر باللاجئين وعديمي الجنسية والمغربي غير المسلم ومن ذلك يظل المسلم الأجنبي محكوما بمقتضيات مدونة الأسرة لأن المسلم في دار الإسلام إنما تسري عليه أحكام مدونة الأحوال الشخصية الإسلامي والتي كان المشرع لحد الآن لم يول عناية كبيرة للتركات الشاغرة العائدة للأجانب بإدخال إصلاح جدري على ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بوضعيتهم المدنية بالمغرب بالنص صراحة على حق الدولة فيها مراعاة لكثرة تقاطرهم على المغرب واستقرارهم بالعديد من المدن فقد لعب القضاء دورا هاما منذ بداية الاستقلالحيث فجرماكان مسكوتا عنه أثناء الحماية من ضرورة مراعاة النظام العام المغربي الذي يمنع التوارث بين المسلم و غير المسلم بجعل الدولة تستأثر بتركات الأجانب المسلمين لأنها بدون وارث حتى مع وجود ورثة لهم غير مسلمين بالاعتماد على ظهير 24 أبريل 1959 دون اعتبار لعامل الجنسية الذي تعتمد عليه قاعدة الإسناد في ظهير الوضعية المدنية للأجانب بالمغرب. أما بالنسبة للأجنبي الغير المسلم فالحلول التي تم التوصل إليها القضاء غير متجانسة إذ بالنسبة لأموال المفقودين والغائبين الأجانب و في ظل سكوت المشرع عن بسط حلول لهذه الأموال نلاحظ أن كل من القضاء والإدارة المغربيين لجؤوا إلى الفقه المالكي وهذه الحلول تقضي بصدور حكم عن القاضي بوفاة الغائب والمفقود بمجرد توفر أمد الغيبة رغم أن هذا الإجراء يعد أصلا مما يدخل في صميم المسائل المتعلقة بأحوال وأهلية الشخص الأجنبي ويحكم فيه أساسا قانونه الوطني، وبالنسبة للتركة الشاغرة للأجنبي غير المسلم، فلم يكن قول القضاء المغربي بحق الدولة فيها، إذ يكفي القول أنه بعد انصرام ما يقارب من أربعة عقود زمنية كما في قضية “باجيس” لم يوفق إلا إلى تكييف مضطرب ليبرر به ذلك الحق، واستغراقه لمثل هذا الوقت الطويل للبت في هذه القضية لا يعكس نجاعة لديه في إيجاد الحلول للنوازل المنتمية إلى حقل القانون الدولي الخاص في وقت هو مقبل فيه على معرفة كم هائل من مثل هذه النوازل وغيرها بحكم التوافد المطرد للأجانب على المغرب واستقرارهم وعليه لما أصبحت عناية بيت المال غير منتظمة للقيام بتلك المصالح التي على أساسها أصل فقه في التركات من لا وارث له انعدام سند ذلك التأصيل ووجب على الدولة الآن تدارك ذلك على الأقل من خلال إسقاط حقها في التركة الشاغرة لفائدة دوي قرابة الهالك الشاغرة تركته والذين لا يرثون لا بالفرض ولا بالتعصيب وفي هذا عدل ورد حق لأصحابه لأنهم أولى منها به والأخذ لذلك في التركات الشاغرة لغير المسلمين الأجانب واللاجئين وعديمي الجنسية بوجوب الاعتماد الموروث الفقهي الأسلوبي في الموضوع كالمذهب الحنفي والحنبلي ومن معهما من مذهبين المالكي والشافعي المتأخرين الذي قالو بأن حق بيت المال ـالدولةـ في التركات التي لا وارث لها أساسه حيازة مال ضائع بالنسبة للهالك المسلم وأنه شيء مبني على سلطة الدولة بالنسبة لتركة الهالك غير المسلم، وفي كل الأحوال نرى أن تركة المسلم وتركة غير المسلم تلحقهما سمة الملك بدون مالك وما يتهدد من ضياع فوجب على الدولة وضع يدها عليه لمنع تدافع محمل للناس بسببه.