بقلم الدكتور حسن فتوخ – قاض بمحكمة النقض ورئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي –
نظرا لتعلق حقوق مصلحة التسجيل وإدارة الضرائب بالمصلحة العامة فقد منع المشرع خضوع الملزم للإزداوج الضريبي[1]، وأوجب ضرورة أداء الحقوق المترتبة لإدارة التسجيل والضرائب اعتبارا من تاريخ إجرائها أو إبرام العقد بشأنها بقطع النظر عن تقييد العقد بالرسم العقاري من عدمه. بل إنه لا يجوز للملزم بالضريبة رفع دعوى استرداد ما دفعه لإدارة التسجيل والضرائب مقابل دين ضريبي سقط بالتقادم بعلة جهلة لواقعة تقادم الدين المذكور[3] عملا بمقتضيات الفصل 73 من ق ل ع.
ذلك أن حقوق الإدارة أعلاه تشكل استثناء من مبدأ الأثر الإنشائي للتقييد[4] لان المشرع اعتبر ان عقود البيع التي يكون موضوعها تفويت حق عيني تعتبر بصرف النظر عن طبيعتها نهائية أو وعودا بالبيع، قد حققت غايتها تلقائيا بمجرد إبرامها، وتفرض عليها الضرائب والرسوم بدءا من ذلك ، حيادا عن باقي الإجراءات المتطلبة في الميدان العقاري. وعليه فإن ما تحصل عليه الشركة من بيع العقارات يعتبر زائد القيمة يتعين إدماجه في محاسبتها، حتى ولو لم يتم تسجيل تلك البيوع بالسجل العقاري”.[5]
كما اعتبر نفس القانون أن نقل الحقوق العينية العقارية يتحقق بالنسبة لواجبات حقوق التسجيل، إما بتقييد الحائز الجديد في جدول الضريبة الحضرية والأداءات المنجزة من طرفه بمقتضى هذه الجداول، وإما بالإيجار والعقود الأخرى المبرمة من طرفه والتي تؤكد حقوقه على هذه العقارات المعنية[6].
ويلاحظ أن الاتفاقات الرامية إلى تأسيس أو تعديل أو إسقاط حق عيني عقاري تكون منتجة لآثارها منذ تاريخ إبرامها بالنسبة لمصلحة التسجيل وإدارة الضرائب، وتستوفي هذه الأخيرة حقوق وواجبات التسجيل عنها بمجرد الإشارة للمكلف على الجداول المنشأة، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الحقوق المشار إليها في الجداول الضريبية موجودة أم لا. وفي ذلك مساس بقاعدة الإشهار العيني العقار.
لذلك يرى بعض الفقه عن حق أن الأمر لا يتعدى الحقوق المالية ودوائرها.[7]
غير أن هذا الاستثناء المقرر للمصلحة العامة من شأنه إحداث لبس في ذهن المتعاملين بشأن العقارات المحفظة، إذ يقع لهم خلط في التوفيق بين مقتضيات قانونية متعارضة، بحيث يسود لديهم الاعتقاد خطأ أن مجرد أدائهم لحقوق وواجبات التسجيل لدى مصلحة التسجيل والتمبر تنتقل إليهم ملكية العقار أو الحقوق العينية موضوع التصرف تطبيقا لقانون التسجيل، في حين أنهم يفاجئون بكون العقد المذكور لا ينقل الحقوق العينية إلا من تاريخ إجراء تقييده بالرسم العقاري.
ولعل عدم الانسجام التشريعي الحاصل بين النصوص القانونية يشكل سببا رئيسيا في حمل الأشخاص على التراخي في تقييد التصرفات التي يبرمونها في الرسوم العقارية، الشيء الذي يترتب عنه لا محالة إشكالية تحيين الرسوم العقارية وعدم مطابقتها لواقع العقارات المحفظة. وهذا ما دفع بعض الفقه إلى اعتبار أن الجهل بالقواعد الأساسية لنظام التحفيظ العقاري من طرف بعض الأشخاص، وعدم فهمهم لمزاياه، وغياب نصوص قانونية تقرر إلزامية التقييد، وإجراء المعاملات على عقار محفظ بعقود عرفية، كلها أسباب تساهم في تكريس ظاهرة عدم تحيين الرسوم العقارية.
[1] – جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” بما أن الدين الضريبي نشأ خارج التراب الوطني، وأن إجراءات تحصيله تتولاها نيابة عن الخزينة العامة الفرنسية السلطات الجبائية المغربية في إطار الاتفاقية المبرمة بين البلدين بشأن منع الازدواج الضريبي، فإن تقادم استخلاص الضريبة على غرار باقي إجراءات التحصيل يرجع فيه لما يقرره القانون المغربي، باعتباره قانون الدولة المطلوب منها القيام بإجراءات التحصيل، طبقا لما تنص عليه المادة 29 من الاتفاقية المبرمة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية بشأن إلغاء الضرائب المزدوجة ووضع قواعد للتعاون المتبادل في الميدان الجبائي المنشورة بمقتضى الظهير الشريف 1.73.440 بتاريخ 8 يناير 1974).
- قرار عدد 78 الصادر بتاريخ 30 يناير 2008 في الملف عدد 1454/4/2/2006 منشور بنشرة قرارت الغرفة الإدارية لمحكمة النقض – العدد 6
- قرار عدد 767 صادر بتاريخ 22 أكتوبر 2008 في الملف عدد 2592/4/2/2006 منشور بنشرة قرارات الغرفة الإدارية لمحكمة النقض – العدد 6.
[3] – جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” ليس من حق الملزم استرداد ما دفعه من ضرائب طالها التقادم، ذلك أن المتمتع بأهلية التصرف على سبيل التبرع، لا يخول له قانونا، طبقا للفصل 73 من قانون الالتزامات والعقود، استرداد ما دفعه تنفيذا لدين سقط بالتقادم، ولو كان يجهل واقعة التقادم. وأن سلوك المحاسب المكلف بتحصيل الضرائب مسطرة الأمر بالأداء لاستخلاص الدين الضريبي يعد بمثابة تنازل عن إجراءات التحصيل الجبري للضريبة، ويحول دون أحقيته في مواصلة الإجراءات الخاصة بذلك.
- قرار عدد 111 الصادر بتاريخ 6 فبراير 2008 في الملف عدد 2080/4/2/2006 منشور بنشرة قرارات الغرفة الإدارية لمحكمة النقض – العدد 6.
[4] – يرى بعض الفقه أن تقييد عقد تفويت عقار في الرسم العقاري ليس شرطا في الواقعة المنشئة لرسوم التسجيل وليس شرطا لوجود هذا العقد، وبالتالي فإن الواقعة المنشئة لرسوم التسجيل ليست مرتبطة بإثبات شرط التقييد في الرسم العقاري.
انظر:
- مولاي عبدالرحمان أبليلا: ” الإثبات في المادة الجبائية بالمغرب بين القواعد العامة وخصوصيات المادة ” – طبعة أولى – 2013. -Paul Decreux:«Les Inscriptions sur les livres Fonciers Marocains»-R.J.P.U.F.1957– p.638.
[5] – قرار عدد 962 صادر بتاريخ 24 دجنبر 2008 في الملف عدد 3169/4/2/2006 منشور بنشرة قرارات الغرفة الإدارية لمحكمة النقض – العدد 6.
وأكدت نفس المحكمة في قرار سابق نفس التوجه معتبرة أنه: ” على الرغم من المقتضيات المتعلقة بالتقييد العقاري فإن جميع العقود والأحكام والاتفاقات ولو شفوية، يكون موضوعها إنشاء أو إعلان أو تعديل أو إسقاط حق عيني عقاري يجب من أجل تطبيق هذا القانون اعتبارها قد حققت غايتها، وبقطع النظر عن أي تقييد في الرسم العقاري “.
- قرار عدد 351 صادر بتاريخ 24 أبريل1997 في الملف الاداري عدد 49/5/1/96/19 غير منشور.
[6] – جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
” إذا كان العقار مكريا للغير، فإنه لا يخضع للضريبة الحضرية، غير أنه يفرض عليه رسم النظافة، يحتسب باعتبار إجمالي مبلغ إيجاره، طبقا لما يقرره القانون رقم 89/30 المنظم للضرائب والرسوم المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها، وليس وفق الكيفية المقررة بالنسبة للضريبة الحضرية بمقتضى القانون رقم 89/37 المنظم لها، والذي تقتصر الإحالة إليه بخصوص رسم النظافة على تصفيته و استيفائه وتقديم الطلبات المتعلقة به و بحثها،لا على كيفية فرض هذا الرسم “.
- قرار عدد 130 الصادر بتاريخ 17 فبراير 2010 في الملف عدد 884/4/2/2009 منشور بنشرة قرارات الغرفة الإدارية لمحكمة النقض – العدد 6.
[7] – محمد خيري – ” م . س ” – ص 508 وما يليها.
Leave A Comment